ولأجل عدم إهمال جميع الأعمال وخلافها من العمائر النفيسة التى أبدتها فكرة العزيز بمدينة الإسكندرية، مع محبته للإطلاع على الأخبار التى ترد من البلاد الخارجية ليحيط علما بأحوالها وأخبارها فيتمكن بذلك من القيام بمصالح الرعية وسياستها، وتحصين جهات حكومته، اتخذ تلك المدينة مركز إقامته فى غالب أوقاته، فبنى برأس التين بجوار الترسانة ثلاث سرايات: ثنتين على المينا الغربية إحداهما للمسافرين، والأخرى لدواوينه، والثالثة لخاصته بجوار المينا الشرقية، ولم يشغله ذلك عن مصالح الرعية، بل لم يزل ساعيا فى جميع ما يصلح القطر وأهله، حتى خلصّ الديار المصرية من الأشرار، وعم الأمن جميع جهاتها.
واستلزم ذلك كثرة وفود الأغراب على الديار المصرية بالبضائع، وانتشروا فى جميع جهات القطر ونشروا بها معارفهم من الحرف والصنائع، وعاد نفعهم على جميع أبناء الوطن، ولم يزالوا آخذين فى الازدياد حتى كان الموجود منهم فى الديار المصرية سنة ١٨٤٠ من الميلاد ما تراه:
وفى سنة ١٨٤٦ بلغ عددهم ٥٠٠٠٠، وفى سنة ١٨٧٠ بلغ ١٥٠٠٠٠، سيما وقد خصتهم العناية الداورية بالإكرام الزائد، فاستوطنوا هذه الديار خصوصا مدينة الإسكندرية، وبنوا بها المنازل الفاخرة والقصور المشيدة على هيآت قصور أوربا، قد أكثروا فيها من الشبابيك، وركبوا عليها ألواح القزاز وغيرها، وصنعوها بالألوان المفرحة.