للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تختها، فإنها كانت فى غاية من الضعف وقلة من العدد والعدد، حتى أن فئة قليلة من الإفرنج استولت عليها فى ثمانية وعشرين يوما، لرخاوة حكامها وقتئذ وذلك أنه حين استيلاء الفرنسيس على جزيرة مالطة، كما نقل عن كلوت بك، كان موسيو (روسيتى) قنصلا للدولة النمساوية وغيرها بالديار المصرية فتوجه إلى مراد بيك، حاكم مصر إذ ذاك، وأخبره أن الفرنساوية استولوا على جزيرة مالطة ولا يبعد أن يقصدوا الديار المصرية، فلم يعبأ بخبره بل استهزأ وقال: كيف نخاف من هؤلاء الرعاع الذين لا فرق بينهم وبين الواقفين على أبوابنا؟ وإن فرض وصولهم لأرضنا فمماليك الخزنة وحدهم يكفوننا المؤنة ويقطعون دابرهم، فحاول القنصل (روسيتى) صرفه عن هذا الرأى فلم يزدد إلا استهزاء وسخرية، ثم أمر بإرسال قنطارين من البارود إلى الإسكندرية احتياطا.

فلم يمض إلا القليل حتى جاء الفرنسيس فدخلوها، فلما بلغه ذلك أمر بإحضار مسيو (روسيتى) وطلب منه أن يكتب من عنده للفرنسيس بالخروج من هذه الديار، فقال له (روسيتى): هم لم يحضروا إليها بإذنى حتى يخرجوا منها بإذنى، فإن كان ولا بد فارسل إليهم مع المكتوب خمسين ألف فرنك حتى يرتحلوا.

فانظر كيف كان حال أمراء تلك الأيام، وعدم استعمالهم للحزم والتدبير بالنسبة إلى ذلك العزيز، الذى قمع الأشرار وحمى هذه الديار، وجيّش الجيوش ووجههم إلى الأقطار الخارجية مثل جزيرة موره وجزيرة العرب، وأرض السودان، أليس ذلك باعثا لجميع أهل الديار المصرية على إدامة الدعاء له: بتخليد دولته ودولة أنجاله؟.

وكان مما مّن الله به عليه، أنه لا يقتصر على الأعمال الكبيرة، بل كانت جميع موجبات الثروة والتقدم تشغل فكره، فإنه أحدث فى البلاد طرقا متسعة وشوارع معتدلة، وجعل قوانين لتنظيم المبانى-سيما الإسكندرية-فإنه فتح بها عدة شوارع متسعة، وبنى باب رشيد للمرور بحارة النصارى ومحلات التجار لأغراض حسنة، وفى خارجها عدل طرقا كثيرة، وغرس بجوانبها أشجارا على أوضاع فائقة.