ومن ذلك كشف المسالك الموصلة إليها، ومعرفة ما اشتملت عليه تلك الطرق مما هو من لوازم الحياة: كالمياه العذبة، والمراعى، وحطب الوقود، وجلب الميرة، ومنع الأعداء، فكل ذلك معرفته مهمة فى وقت السلم لينتفع به عند حصول ضده.
فهذا هو ملحظه-﵀-وملحظ المؤسس الأصلى، وملحظ سر عسكر، جزاهم الله عن الوطن خيرا، ومن هذا الاستكشاف ظهرت ثمرات جمة منها:
عمل سكة عسكرية من طابية القبارى إلى باب العرب لتسهيل مرور العساكر والواردين على المدينة من جهة الغرب ووادى سيوة، وكانوا قبل ذلك يقاسون مشقات زائدة، لعدم انتظام المسالك فكانوا تارة يتبعون فى سيرهم الجبل، وتارة الأرض الغربية مع كثرة الصعود والهبوط المستلزم لطول المسافة وكثرة المشاق.
ومنها: معرفة الحدّ بين قطر مصر وإيالة تونس، وكان قبل ذلك مبهما فزال إبهامه، وعين ما بينه وبين الإسكندرية من المحطات المعروفة عند العرب، يحطون فيها فى أسفارهم، وقد رسم ذلك كله فى خرط الإستحكامات حتى لا تتطرق إليه شبهة فيما بعد.
وقد نشأ من هذا التعيين الجزم بأن المحطة المعروفة بالمطروح، هى حد ما بين الأقطار المصرية وإيالة طرابلس، والمحطة المذكورة مرسى للمراكب على البحر الملح، بينها وبين إسكندرية مسافة مائة وعشرين ميلا إلى جهة بحرى.
وبقى الأمر على ذلك إلى زمن الخديوى، ثم اتضح أن الحد الحقيقى هو ناحية السلوم بحرى إسكندرية بمائتين وخمسة وعشرين ميلا، فبينها وبين المطروح مائة وخمسة أميال.