وبعد تمام هذه الأعمال لو جعل جزء البحيرة العميقة القريبة من الطريق الموصل إلى المحمودية بحيرة، وغرس حولها شجر، لصار هذا الموضع من أحسن المتنزهات، وأظن أن ما يصرف على ذلك يستعوض بأضعافه مما يتحصل من قيمة الأرض التى تستجد بسببه، لأن الرغبة فيها حينئذ ربما تزيد عن الرغبة فى سكنى الرمل، لاشتمالها على الماء والخضرة والسمك على اختلاف أنواعه، مع القرب من المدينة.
ولتوسيع دائرة الفسحة، حصل التصريح من لدن المكارم الخديوية بجعل جنينة بسرايته، التى بقرب سراية نمرة ٣، سكن الجناب المفخم ولى العهد، وقتئذ، وهو الآن مولانا الخديو المعظم، سعادة محمد توفيق باشا، منتزها عاما زيادة على المنتزهات الأخر مثل جنينة: لانبروز والمنشية والمحمودية وغيرها، بحيث يتنزه فيها فى جميع أيام الأسبوع. ورتب لها موسيقى تحضر إليها فى جميع الأيام، وجعل لها من يقوم بلوازمها من الخدم والنظار، وربط لها من النقود ما يفى بلوازمها، فقابل الناس ذلك الصنع الجليل بالثناء الجميل، فتراهم فى أوقات الاجتماع يهرعون إليه أفواجا من سائر الطوائف، ويرتعون فى فضائه وأنحائه، ويستنشقون بطيب هوائه حيث كان أحسن بساتين المحمودية وأوسعها، والذى أنشأه فى الأصل الخواجا (بستريه) ثم اشتراه منه الجناب الخديوى.
فمن هذه الأعمال الجليلة وأمثالها، صارت مدينة الإسكندرية مزينة الظاهر والباطن، فأينما يسرح الإنسان طرفه، لا يرى إلا ما يسر ناظره ويشرح خاطره، ففى داخلها تشاهد المبانى الفاخرة، والمساجد العامرة، والدواوين المعدة للنظر فى مصالح الرعية العمومية:
كديوان الحقانية، الذى تم تنظيمه بالهمم الخديوية فى سنة ١٢٩٢ هجرية، والضبطية، وديوان المحافظة، ومجلس التجار، ومجلس الابلو، ومجلس الصحة وغيرها.
وفى جانبى كل شارع وفى الميادين، يتعجب من كثرة البضائع، واختلاف أجناسها وأصنافها، مما يحث الناظر على إدامة الثناء على العائلة المحمدية، حيث بذلت همتها فى إحياء ما كانت فقدته مدينة إسكندر الأكبر من الشهرة.