ومن العادة أن وكلاء الدول تسكن مدينة إسكندرية فى زمن الصيف؛ لطيب هوائها ونقص درجة الحرارة بها عن مدينة القاهرة، بسبب تلطيف البحر نسيم الجو الذى يهب فى هذا الفصل صباحا ومساء، وفى فصل الشتاء ينتقل أغلبهم بعيالهم إلى القاهرة، لقلة الرطوبة والبرودة فيها بالنسبة إلى إسكندرية، وأجرة الانتقال فى السكة الحديد على طرف الميرى، من فيض المكارم الخديوية.
وللآن الحكومة الخديوية، وكذا من سبقها من العائلة المحمدية، جارية على هذا السنن الذى سنه محمد على باشا، من الانتقال إلى مدينة إسكندرية فى زمن الحر، ويتبع ذلك انتقال الدواوين، فيقيمون مدة ثلاثة أشهر فى رأس التين ثم يعودون إلى القاهرة.
ولا يخفى ما فى هذا الانتقال من المزايا والمنافع الخاصة والعامة، لانتفاع أهل المدينة بذلك انتفاعا كبيرا.
وبالجملة فما اشتملت عليه هذه المدينة من الأمور النفيسة، على يد الجناب الخديوى وبأنفاسه، وكذا على يدى أسلافه من العائلة المحمدية، شئ كثير يحتاج ذكر جميعه إلى مجلدات، فإنها بما ورثته من الهمم المحمدية والإغداقات الخديوية، صارت مشتملة على جميع ما تتحلى به المدن العظيمة من مدن الدول الفخيمة.
وهكذا لا تزال تترقى فى أوج السعادة على يد الخديوى الأعظم ويد خلفائه، خلّد الله أيامهم، فلذا لم نذكر مما اشتملت عليه من المحاسن إلا الأهم منها، لأجل إثبات ما اكتسبته هذه المدينة، وعاد نفعه على غيرها من مدن القطر، من مبدأ أخذ العائلة المحمدية بزمام الحكم، إلى الآن، أعنى فى ظرف سبعين سنة، حتى صارت إلى هذه الدرجة العالية بعد أن كانت قد آل أمرها إلى الاضمحلال حتى صارت شبيهة بقرية من قرى الأرياف، وعم الخراب داخلها وأحاط بخارجها، وفارقها عزها وشهرتها بسبب التقلبات الدهرية التى دمرت مبانيها، وفرقت أهلها فى المدد السابقة التى سبق الكلام عليها.