للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واحتاج إلى سؤاله فانتهره وطرده وعيره بالتبذير.

وقال «قد كنت أنصحك بصيانة مالك فلم تفعل ونفعنى إمساكى فصرت أنا أكثر منك مالا وولدا» وولى عنه مسرورا بماله وجنته فأمر الله تعالى البحر فركب تلك القرى وغرقها جميعها فأقبل صاحبها يولول ويدعو بالثبور ويقول «يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً» (١) قال الله «وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ» (٢).

وفى زمان قليمون الملك بنيت دمياط وملك قليمون تسعين سنة وعمل لنفسه ناووسا (قبرا) فى الجبل الشرقى وحول إليه الأموال والجواهر وسائر الذخائر، وجعل من داخله تماثيل تدور بلواليب فى أيديها سيوف من دخل قطعته وجعل عن يمينه ويساره أسدين من نحاس مذهب بلوالب من أتاه حطمه: وزبر عليه «هذا قبر قليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصر، عمر دهرا وأتاه الموت فما استطاع له دفعا، فمن وصل إليه فلا يسلبه ما عليه وليأخذ من بين يديه». ويقال إن تنيس أخ لدمياط.

وقال المسعودى فى كتابه مروج الذهب وغيره: تنيس كانت أرضا لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة، وكانت جنانا ونخلا وكرما وشجرا ومزارع، وكانت فيها مجار على ارتفاع من الأرض، ولم ير الناس بلدا أحسن من هذه الأرض ولا أحسن أنصالا من جنانها وكرومها، ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبهما إلا الفيوم، وكان الماء منحدر إليها لا ينقطع عنها صيفا ولا شتاء يسقون جنانهم إذا شاءوا، وكذلك زروعهم وسائره يصب إلى البحر من جميع خلجانه، ومن الموضع المعروف بالأشتوم، وقد كان بين البحر وبين هذه الأرض مسيرة يوم وكان فيما بين العريش وجزيرة قبرس طريق مسلوك إلى قبرس تسلكه الدواب يبسا، ولم يكن بين العريش وجزيرة قبرس فى البحر سير طويل حتى علا الماء الطريق الذى كان بين العريش وقبرس.

فلما مضت لدقلطيانوس من ملكه مائتان وإحدى وخمسون سنة هجم الماء من البحر على بعض المواضع التى تسمى اليوم بحيرة تنيس فأغرقه، وصار يزيد فى كل عام حتى أغرقها بأجمعها، فما كان من القرى التى فى قرارها غرق، وأما الذى كان


(١) سورة الكهف آية/٤٢.
(٢) سورة الكهف آية/٤٣.