للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيف بداوى، وجلس مجلسا عاما حضر فيه الخليفة والوزير والقضاة والأمراء والشهود، وصوّر القاضى فخر الدين إبراهيم بن لقمان - كاتب السرّ - منبرا نصب، وقرأ تقليد السلطان الذى عهد به إليه الخليفة، ثم ركب السلطان بالخلعة والطوق، ودخل من باب النصر، وشقّ القاهرة، وقد زينت له، وحمل الوزير الصاحب بهاء الدين محمد بن على بن حنا التقليد على رأسه قدّام السلطان والأمراء ومن دونهم مشاة بين يديه، حتى خرج من باب زويلة إلى قلعة الجبل.

وفى ثالث شوال سنة اثنتين وستين وستمائة سلطن الملك الظاهر بيبرس ابنه الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة خان، وأركبه بشعار السلطنة، ومشى قدّامه، وشقّ القاهرة كما تقدم.

وآخر من ركب فى قصبة القاهرة بشعار السلطنة وخلعة الخلافة والتقليد السلطان الناصر محمد بن قلاوون عند دخوله القاهرة من البلاد الشامية بعد قتل السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين، واستيلائه على المملكة فى ثامن جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة.

ولما كثرت الفتن تغيرت الرسوم والعادات، وصار من بعد هذا التاريخ إلى دخول بنى عثمان أرض مصر والتملك عليها - سنة تسعمائة وثلاث وعشرين - صار كل من يتولى السلطنة يجرى توجهه بقلعة الجبل، ويعمل له الموكب والرسوم هناك.

وكانت العادة أنه متى أراد الأمراء عزل السلطان وتولية غيره أن تصعد الأمراء والعسكر إلى باب السلسلة، وتصير المشورة فيمن يسلطنوه، ومتى تمّ رأيهم على أحد الأمراء يرسلوا خلف الخليفة والقضاة الأربعة. وبعد تكامل المجلس تعمل صورة محضر فيه خلع السلطان المتولى ويخلع، وفى الحال يبايع الخليفة الأمير المتفق عليه بالسلطنة، ويلقّب بلقب، ويكنّى بكنية. وبعد ذلك يحضرون له شعار الملك، وهى الجبة والعمامة السوداء والسيف البداوى، ثم تقدّم له فرس النوبة فيركب من سلّم الحراقة الذى بباب السلسلة، وترفع على رأسه القبة والطير، ويركب على يمينه الخليفة، وتمشى الأمراء بين يديه، ويستمر فى ذلك الموكب حتى يطلع من باب سر القصر، ويجلس على سرير الملك. وهناك تقبّل الأمراء الأرض بين يديه، ثم يخلع على الخليفة، وينادى فى يومها باسمه فى القاهرة، وتزين عدة أيام، وفى الجمعة، وأيام المواسم، ويخطب باسمه على المنابر، وتضرب السّكّة باسمه، ويأخذ فى تعيين من يحب فى الوظائف وعزل من لا رغبة له فيه. وفى كثير من الأوقات خصوصا إذا كان العزل والتولية ناشئين عن فتنة داخلية يأمر بالاحاطة على ذوى الفتنة، ومن يلوذ بهم، فمنهم من يقتل، ومنهم من يحبس فى حبس الإسكندرية أو غيرها، ومنهم من ينفى.