ما بين مشاة وركبان، وطلع من على السور، ونزل من على تربة الأشرف قايتباى، ووقف هناك، وقرأ سورة الفاتحة، وأهداها إليه. وكان قدامه جماعة كثيرة من الرماة بالنفوط، ثم شق من بين الترب إلى العادل الذى بالفضاء، واستمر على ذلك حتى نزل بالخانقاه.
ومن بعد السلطان سليم كانت مواكب الولاة الذين تعينهم الدولة تمرّ من هذه القصبة متى عزل أو مات الوالى ترسل الأجناد بذلك إلى الباب العالى، فيعين من يختاره واليا على مصر، فيقوم ويحضر إلى الديار المصرية. ومتى وصل إلى ثغر الإسكندرية يجد كثيرا من الأمراء والأعيان، فيهنئوه بالسلامة. ومتى وصل إلى ساحل بولاق ينزل نائب القلعة والقائم مقام عنده إلى أن يحضر الكواخى وأغوات الينكجرية وسائر الاسبناهية وأغوات المماليك الجراكسة، فيركب على فرس أعدوها له من الخيول الخاصة وعليه خلعة السلطنة، وهى عادة تماسيح على أحمر وأخضر، ويركب جماعته على خيول أحضروها لهم كذلك، فيسير من بولاق وقدامه العسكر من سائر الأصناف، ويرمى أمامه بالنفوط، فيدخل من باب البحر ويسير إلى أن يدخل من باب القنطرة، فيشق من سوق مرجوش، ثم من القاهرة حتى يطلع إلى القلعة، ثم يكون على رأسه صنجق بقطع فضة، ومن ورائه طبلان ومزماران عثمانيان، وخلفه جماعة بطراطير حمر بعصائب ذهب. وفى أثناء سيره تنطلق له الألسن بالدعاء وتزغرد له النساء.
ومتى استقر جلوسه بالقلعة يعمل له النائب سماطا حافلا، ويسلمه مفاتيح بيت المال، ويدفع له خاتم الملك.
وفى ثانى يوم ينزل إلى الميدان، وبحضور الأمراء والعساكر يقرأ عليهم مرسوم السلطان، وبعد ذلك تخرج له القضاة والعلماء والوجوه للسلام والتهنئة. ومن ذاك الحين يأخذ فى سياسة الأمور.
وإلى وقتنا هذا بقى بهذه القصبة كثير من العوائد القديمة، فإنها لم تزل محلا للمواكب والزينات والوقدات، وبها أعظم محال التجارة، ولا يوجد بغيرها من البيع والشراء مثل ما يوجد بها فى جميع فصول السنة.
ومع تجدد شوارع كثيرة فى جهات مختلفة من مصر لم يخل ذلك بعماريتها والرغبة فيها ورواج أسواقها، فيوجد بها على الدوام البضاعة المصرية والشامية والهندية والفرنجية وغيرها من كافة الأنواع الكافية لأهل القطر.
وفى عهد العائلة المحمدية حصلت بها عمارات جليلة. وفى زمن الخديو إسماعيل وضعت فيها فنارات الغاز، كما وضع ذلك فى جميع الشوارع والحارات المعتبرة القديمة والجديدة خارج