وجميع الأراضى التى هناك بين النيل والجبل من ابتداء الجسر الأسود، وهو الحد البحرى لمديرية الجيزة إلى فم ترعة الخطاطبة رمال غير صالحة للزرع فى غربى الرياح وفى شرقيه ما عدا مزارع وردان وأتريس وبنى سلامة، وكانت جميع تلك الأراضى سابقا مزدرعة صالحة خالية من الرمال، بواسطة بحر متسع كان يدور مع الجبل ويحد الصحراء، فكان يقيها من رمال الصحراء التى تنسفها الرّياح وهو بحر يوسف القديم ويغرف الآن باللبينى، فلما ارتدم بسبب إهمال أمره سالت الرمال على تلك الأراضى فأفسدتها.
وسبب تخريبها ما أفاد المقريزى فى خططه (١) حيث قال عند الكلام على فتح الإسكندرية إن عمرو بن العاص حين توجه إلى الإسكندرية خرّب القرية التى تعرف اليوم بخربة وردان، واختلف علينا السبب الذى خربت له، فحدثنا سعيد بن عفير أنه لما توجه عمرو إلى نفيوس بالفاء أو بالقاف وهى أبشادة لقتال الروم عدل وردان لقضاء حاجته عند الصبح، فاختطفه أهل الخربة فغيبوه، ففقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه فى بعض دورهم، فأمر بإخرابها وإخراجهم منها.
وقيل كان أهل الخربة رهبانا كلهم فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون فأقام عمرو ووجه إليهم وردان فقتلهم وخرّبها فهى خراب إلى اليوم.
وقيل كان أهل الخربة أهل تويت وخبت فأرسل عمرو إلى أرضهم فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها فكلمهم فلم يجيبوه إلى شئ فأمر بإخراجهم، ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلاه ثم قعد عليه ثم دعاهم فكلمهم فأجابوه إلى ما أحب، ثم أمر بالتراب فرفع ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شئ فعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك قال:
هذه بلدة لا يصلح أن توطأ فأمر بإخرابها.
وأما وردان الموجودة الآن فهى قرية من مديرية الجيزة بقسم أول على الشط الغربى للنيل فى شمال بنى غالب على بعد ساعة ونصف، وفى جنوب أتريس على نحو نصف ساعة ويقابلها فى البر الشرقى قرية جريش من بلاد المنوفية، وبها مسجد فوق
(١) انظر المقريزى المجلد الأول ٢٩٥ ط. مكتبة إحياء العلوم-لبنان-.