الليل ودلهم على عورات البلد، فاستولى المسلمون عليها وتمكنوا منها، وبرز الهاموك للحرب فلم يشعر بالمسلمين إلا وهم يكبرون على سور البلد وقد ملكوه. فعند ما رأى شطا بن الهاموك المسلمين فوق السور لحق بالمسلمين ومعه عدة من أصحابه، ففت ذلك فى عضد أبيه واستأمن للمقدار، فتسلم المسلمون دمياط. واستخلف المقداد عليها وسير بخبر الفتح إلى عمرو بن العاص، وخرج شطا بن الهاموك، ﵁، وقد أسلم إلى البرلس والدميرة وأشمون طناح، فحشد أهل تلك النواحى وقدم بهم مدد للمسلمين وعونا لهم على عدوّهم، وسار بهم مع المسلمين لفتح تنيس وجزائرها، فبرز لأهلها وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل ﵀ فى المعركة شهيدا، بعد ما أنكى فيهم وقتل منهم. فحمل من المعركة ودفن فى مكانه المعروف به خارج دمياط، وكان قتله ﵁ فى ليلة الجمعة النصف من شعبان، فلذلك صارت هذه الليلة من كل سنة موسما يجتمع الناس فيها من النواحى عند شطا ويحيونها وهم على ذلك إلى اليوم.
وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم فى سنة تسعين من الهجرة، فأسروا خالد بن كيسان وكان على البحر هناك وسيروه إلى ملك الروم، فأنفذه إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك من أجل الهدنة التى كانت بينه وبين الروم.
فلما كانت خلافة هشام بن عبد الملك نازل الروم دمياط فى ثلثمائة وستين مركبا، فقتلوا وسبوا، وذلك فى سنة إحدى وعشرين ومائة.
ولما كانت الفتنة بين الأخوين محمد الأمين وعبد الله المأمون وكانت الفتن بأرض مصر، طمع الروم فى البلاد ونازلوا دمياط فى أعوام بضع ومائتين.
ثم لما كانت خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله-أمير مصر يومئذ عنبسة بن اسحق-نازل الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، فملكوها وما فيها، وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين وسبوا النساء والأطفال وأهل الذمة، فنفر إليهم عنبسة بن اسحق يوم النحر فى جيشه ونفر كثير من الناس إليهم فلم يدركوهم، ومضى الروم إلى تنيس فأقاموا بأشتومها فلم يتبعهم عنبسة، فقال يحيى بن الفضل للمتوكل أمير المؤمنين: