للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السكر كعزة الياقوت، وفقدت اللحوم فلم يقدر عليها بوجه، وآلت بهم الحال إلى أن لم يبق بها سوى قليل من القمح والشعير فقط، فتسوّر الفرنج وأخذوا منه البلد فى يوم الثلاثاء لخمس بقين من شعبان، وكانت مدة الحصار ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما.

ولما أخذوا البلد وضعوا السيف فى الناس، فتجاوزوا الحد فى القتل، وأسرفوا فى مقدار القتلى، وبلغ ذلك السلطان فرحل بعد أخذ دمياط بيومين ونزل قبالة طلخا على رأس بحر أشموم ورأس بحر دمياط وحيز فى المنزلة التى يقال لها المنصورة. وحصن الفرنج أسوار دمياط وجعلوا الجامع كنيسة، وبثوا سراياهم فى القرى، فقتلوا ونهبوا. وسير السلطان الكتب إلى الآفاق ليستحث الناس على الحضور لدفع الفرنج عن ملك مصر. وشرع العسكر فى بناء الدور والفنادق والحمامات والأسواق بمنزلة المنصورة، وجهز الفرنج من أسروه من المسلمين فى البحر إلى عكا، وخرجوا من دمياط ونازلوا السلطان تجاه المنصورة وصار بينهم وبينه بحر أشموم وبحر دمياط، وكان الفرنج فى مائتى ألف راجل وعشرة آلاف فارس، فقدّم المسلمون شوانيهم أمام المنصورة، وعدتها مائة قطعة، واجتمع الناس من القاهرة ومصر وسائر النواحى من أسوان إلى القاهرة. ووصل الأمير حسام الدين يونس والفقيه تقى الدين أبو طاهر محمد بن الحسن بن عبد الرحمن المحلى، فأخرجا الناس من القاهرة ومصر، ونودى بالنفير العام، وخرج الأمير علاء الدين جلدك وجمال الدين بن صيرم لجمع الناس فيما بين القاهرة إلى آخر الحوف الشرقى، فاجتمع عالم لا يقع عليه حصر، وأنزل السلطان على ناحية شارمساح ألف فارس فى آلاف من العرب ليحولوا بين الفرنج ودمياط. وسارت الشوانى ومعها حراقة كبيرة على رأس بحر المحلة وعليها الأمير بدر الدين حسون، فانقطعت الميرة عن الفرنج من البر والبحر، وسارت عساكر المسلمين من الشرق والشام إلى الديار المصرية. وكان قد خرج الفرنج من داخل البحر لمدد الفرنج على دمياط، فقدم منهم أمم لا تحصى يريدون التوغل فى أرض مصر، فلما تكاملوا بدمياط خرجوا منها فى عدهم وعديدهم ونزلوا تجاه الملك الكامل، كما تقدم، فقدم النجدات يقدمها الملك الأشرف موسى بن العادل وعلى ساقتها الملك المعظم عيسى، فتلقاهم الملك الكامل وأنزلهم عنده بالمنصورة فى الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمانى عشرة، وتتابع مجئ الملوك حتى بلغت عدة فرسان المسلمين نحو أربعين