ثم قال: وما زالت دار الضرب هذه فى الدولة الفاطمية باقية إلى أن استبد السلطان صلاح الدين، فصارت دار الضرب حيث هى اليوم، وكان بناؤها فى سنة ست عشرة وخمسمائة وسميت بالدار الأميرية، وكانت تجاه المارستان، فما عن يمينك الآن إذا سلكت من رأس الخرّاطين هو موضع دار الضرب ودار الوكالة الحافظية هكذا إلى الحمّام الذى بالخرّاطين وما وراءها، وما عن يسارك فهو موضع المارستان. (انتهى).
قلت: وقد تغيرت هذه الأوضاع تغيّرا كليا، وقسّمت دار الضرب المذكورة أقساما؛ فمنها المصبغة الموجودة بأوّل الصنادقية، والوكالة بعدها، وحمّام الصنادقية، ومنزل الخنفرى، ووكالة الخربطلى. ويوجد الآن بعض عقود بالوكالة المجاورة للمصبغة من العقود القديمة، ويفهم من هذا أن موضع وكالة الجلاّبة الآن هو محل المارستان.
ثم ذكر المقريزى أيضا أنه كان هناك سوق يعرف بسوق المهامزيين، فكان من حبس المعونة إلى حمّام الخراطين وما تجاه ذلك، وكان معدّا لبيع المهاميز الذهب والفضة، والبدلات الفضة التى كانت برسم لجم الخيل، وتعمل تارة من الفضة المجراة بالمينا، وتارة بالفضة المطلية بالذهب، وكان يباع فيه أيضا سلاسل الفضة ومخاطم الفضة المطلية تجعل تحت مخاطم الجحور من الخيل خاصة، ويباع فيه أيضا الدوى والطرف التى فيها الفضة والذهب؛ كسكاكين الأقلام ونحوها.
وكان يلى هذا السوق سوق اللجميين، وهو متصل به، ويباع فيه اللجم والركب والمهاميز والسروج ونحوها. وذكر ابن أبى السرور البكرى فى خططه أن هذا السوق فى سنة أربع وخمسين وألف كان غير موجود بالكلية. (انتهى).
ثم يلى سوق اللجميين سوق الجوخيين، وكان ممتدا إلى شارع التبليطة الآن، وهو معد لبيع الجوخ المجلوب من بلاد الفرنج لعمل المقاعد والستاير وثياب السروج وغواشيها. قال المقريزى: وأدركت الناس، وقلما تجد فيهم من يلبس الجوخ، وإنما يكون من جملة ثياب الأكابر جوخ لا يلبس إلا فى يوم المطر، وإنما يلبس الجوخ من يرد من بلاد المغرب والفرنج وأهل الإسكندرية وبعض عوام مصر، فأما الرؤساء والأكابر والأعيان فلا يكاد يوجد فيهم من يلبسه إلا فى وقت المطر. وأطال القول فى ذلك، ثم قال: إنه بعد حصول المحن التى دمّرت بلاد مصر غلت الملابس، ودعت الضرورة أهل مصر إلى ترك أشياء مما كانوا فيه من الترفه، وصار معظمهم يلبس الجوخ. (انتهى).
وذكر ابن أبى السرور البكرى فى خططه أنه فى سنة أربع وخمسين وألف كان ملبوس عساكر مصر فى الغالب ليس إلا الجوخ الملوّن المثمن، وكذا أولاد العرب أصحاب الثروة،