مكبا على الاشتغال بالعلم والعمل به وتعليمه للناس، ولا يرى إلا فى مطالعة علم أو صلاة أو قراءة أو صيام، متفكرا فى أهوال يوم القيامة. ولم أسمعه مدة صحبتى له يذكر أحدا من أقرانه بسوء، ولا يحسد أحدا على ما آتاه الله من علم أو مال أو إقبال من الأكابر، ولا غير ذلك من رعونات النفس ولا رأيت أحدا من أقرانه أكثر اعتكافا منه فى رمضان وغيره. ومن عادته أن يدخل الجامع الأزهر من أول ليلة الصيام فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد.
وأخبرنى ولده سيدى عبد الرحمن أنه لا يتعشى دائما فى رمضان إلا بعد صلاة التراويح، فيأكل لقيمات يسيرة ويشرب ماء يسيرا.
وحججت معه حجتين فما رأيت أحدا من أقرانه أكثر مشيا عن جمّاله منه، فلا يركب إلا بعد تعب شديد، ويعزم عليه الجمّال أنه يركب فيأبى رحمة بالجمل. ورأيت شخصا سمينا من أهل العلم اشتكى جمّاله لأمير الحاج الذى قال له: امش عن الجمّال شيئا في الأرض الوعرة، فبان الصدق بين الرجلين، مع أن هذا السمين لا يعدّ الشيخ شمس الدين أنه يصلح أن يكون من طلبته، ولم يزل من حين يخرج من بركة الحاج يعلم الناس المناسك وآداب الطريق وكيفية القصر والجمع، ويحثهم على الصلاة، وربما يعطى السائل عشاءه، ويطوى تلك الليلة وغالب سفر الحج ومدة إقامته صائم لا يفطر.
وفى غالب لياليه يكتفى بشرب ماء زمزم ويعطى عشاءه للزيالع، وما رأيت أكثر تلاوة للقرآن منه ولا أكثر طوافا مدة إقامته بمكة، وطلبت يوما أن أساويه فلم أقدر على ذلك.
أخذ العلم الشيخ شمس الدين، ﵁، عن جماعة من علماء مصر، كالشيخ ناصر الدين اللقانى، والشيخ جمال الدين السنانى، والشيخ ناصر الدين الطبلاوى، والشيخ شهاب الدين الرملى، وتبحر فى العلوم على أيديهم، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس وأفتى فى حياة أشياخه وانتفع به