للبضاعة، وحفر فى كل منها بئرا معينة، ورتب خفراء لحفظ المارّين، وبنى على البحر الأحمر مدينة سماها باسم والدته بيرنيس، وبقيت المحافظة فيها زمن الرومانيين، وتلك الطريق كانت تصل من قوص أو من قفط إلى القصير القديم، وقد استدل فى هذه الأزمان على ما كان فيها من المحطات، وأن قدرها اثنتا عشرة محطة، كل منها عبارة عن بناء مربع الشكل ضلعه من أربعين مترا إلى خمسين، وارتفاعه من أربعة أمتار إلى خمسة، وفى زواياها أبراج سمك حيطانها ثلاثة أمتار، وفى داخل كل منها فضاء متسع فى مركزه بئر مستديرة، وحول الفضاء من جهاته الأربع أود صغيرة يفصلها دهليز صغير، وبين كل محطة وأخرى مسيرة ثلاث ساعات.
وفى خطط المقريزى أن حجاج مصر والمغرب أقاموا زيادة عن مائتى سنة لا يتوجهون إلى مكة المشرفة إلا من صحراء عيذاب، ثم قال: إن هذه الصحراء لم تزل عامرة آهلة بما يصدر عنها ويرد إليها من قوافل التجارة والحجاج إلى سنة ستين وستمائة، فى زمن الخليفة المستنصر، فانقطع الحج من البر إلى أن كسا السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى الكعبة وعمل لها مفتاحا، وأخرج قافلة الحجاج من البر، فسلك الحجاج هذه الصحراء على قلة، واستمرت بضائع التجارة تحمل من عيذاب إلى قوص، حتى بطل ذلك سنة ست وستين وسبعمائة، وتلاشى أمر قوص من حينئذ.
وهذه الصحراء مسافتها من قوص إلى عيذاب سبعة عشر يوما، ويفقد منها الماء ثلاثة أيام أو أربعة متوالية، وعيذاب مدينة على ساحل بحر جدة أكثر بيوتها أخصاص، وكانت من أعظم مراسى الدنيا بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها البضائع، وتقلع منها مع مراكب الحجاج الصادرة والواردة، فلما انقطع ورود المراكب إليها، صارت عدن هى المينا العظيمة من بلاد