به عادته، فأحضر جميع ذلك إليه بزيادة وكان مع المأمون أخوه (المعتصم) وابنه (العباس) وأولاد أخيه: (الواثق والمتوكل ويحيى بن أكثم والقاضى أحمد بن أبى دواد) فأحضرت لكل واحد منهم ما يخصه على انفراده ولم تكل أحدا منهم ولا من القوّاد إلى غيره، ثم أحضرت (للمأمون) من فاخر الطعام ولذيذه شيئا كثيرا حتى أنه استعظم ذلك، فلما أصبح وقد عزم على الرحيل، حضرت إليه ومعها عشر وصائف مع كل وصيفة طبق فلما عاينها (المأمون) من بعد قال لمن حضر: قد جاءتكم القبطية بهدية الريف الكامخ والصحناة والصير، فلما وضعت ذلك بين يديه إذا فى كل طبق كيس من ذهب فاستحسن ذلك وأمرها بإعادته، فقالت: لا والله لا أفعل فتأمل الذهب فإذا به ضرب عام واحد كله، فقال: هذا والله أعجب ربما يعجز بيت مالنا عن مثل ذلك، فقالت: يا أمير المؤمنين لا تكسر قلوبنا ولا تحتقر بنا، فقال: إن فى بعض ما صنعت لكفاية ولا نحب التثقيل عليك فردى مالك بارك الله فيك، فأخذت قطعة من الأرض وقالت: يا أمير المؤمنين هذا وأشارت إلى الذهب من هذا وأشارت إلى الطينة التى تناولتها من الأرض، ثم من عدلك يا أمير المؤمنين وعندى من هذا شئ كثير فأمر به فأخذ منها وأقطعها عدة ضياع وأعطاها من قريتها طا النامل مائتى فدان بغير خراج، وانصرف متعجبا من كثرة مروءتها وسعة حالها، انتهى.
وقد نشأ من هذه القرية الأمير (عبد الرحمن بيك على) دخل أول أمره مكتب منية غمر سنة خمس وخمسين ومائتين وألف، ثم انتقل إلى تجهيزية أبى زعبل، ثم إلى مدرسة المهندسخانة ببولاق، فاكتسب بها علوم الرياضة والطبيعة وغيرها تحت نظارة (لامبير بيك الفرنساوى) ثم إلى مدرسة الطوبجية، وفى سنة إحدى وسبعين ترقى إلى رتبة البكباشى ثم فى سنة تسع وثمانين أنعم عليه برتبة القائم مقام وإلى الآن هو بالمدارس الحربية.