وبجواره من الجهة البحرية باب التبانين - وموضعه مكان باب حارة الخرنفش الآن - ويظهر من كلام صاحب الخطط أنه لما قويت شوكة الإفرنج فى آخر دولة الفاطميين اعدت هذه الدار أو بعضها - وهو ما صار فيما بعد الدار البيسرية - لمن يجلس فيها من قصاد الإفرنج، عند ما تقرر الأمر معهم على أن يكون نصف ما يحصّل من مال البلد للإفرنج، فصار يجلس فى هذه الدار قاصد معتبر للإفرنج يقبض المال، فلما زالت الدولة الفاطمية، وملك مصر الأيوبيون، أخذها الملك المفضل قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وعمل بها الإصطبلات والمبانى الفخيمة، فعرفت بالدار القطبية، ولما مات الملك المفضل صارت إلى ابنته «مؤنسة خاتون»، وكان بها قاعة كبيرة لم يكن بمصر مثلها، فلما آلت السلطنة إلى الملك المنصور قلاوون اشترى هذه الدار، وعمل فى محل القاعة المارستان، وفى باقيها المبانى التى استجدها بهذا الخط، وأما الدار البيسرية المتقدم ذكرها فشرع فى عمارتها الأمير ركن الدين بيسرى الشمسى الصالحى النجمى فى سنة تسع وخمسين وستمائة فى زمن الملك الظاهر بيبرس البندقدارى، وكان من أعظم الأمراء، وله عدة مماليك، راتب كل واحد منهم مائة رطل لحم، ومنهم من له عليه فى اليوم ستون عليقة لخيله، وبلغ عليق خيله وخيل مماليكه فى كل يوم ثلاثة آلاف عليقة سوى عليق الجمال … إلى آخر ما قال فى الخطط فانظره.
ومن زمن مديد إلى الآن بطل جعله مارستانا، ونقلت منه المرضى، غير أن به محلا يجتمع فيه كل يوم المصابون بوجع العين للكشف عليهم ومداواتهم من طبيب العيون المعيّن لذلك، وبعض محلاته اتخذه باعة النحاس حواصل لنحاسهم، وبعضها جعل مدرسة أهلية.
وهذا القصر، وإن سمى القصر الصغير، كان فى غاية السعة، فإنّ حدّه الشرقى النهاية الغربية للميدان الذى كان بين القصرين، المشرف عليه الآن المارستان، وما اتصل به من المدرسة المنصورية، والظاهرية، والكاملية، والخرنفش إلى تجاه الجامع الأقمر، وكان حدّه الغربى - بما فيه من البستان الكافورى - سور القاهرة المطل على الخليج، ويتصل به من جهته القبلية مطبخه، وهو موضع الصاغة، فالنهاية القبلية الصاغة هى حده القبلى. وكان الحمام الذى بين الصاغة والمارستان من حمامات القصر، وحده البحرى ميدان كبير يتصل به كان يعرف بميدان الخرشتف، ومحله الشارع المعروف الآن بشارع الخرنفش وما يتصل به من الأزقة والدور وغيرها من المبانى، وكان هذا الميدان يمتد إلى نهاية البستان الكافورى عند الخليج، وإنما عرف بالخرشتف، لأن المعز أول من بنى فيه الاصطبلات بالخرشتف، وهو ما يتحجر مما يوقد به على مياه الحمامات من الزبل وغيره، كما نبه عليه المقريزى. ويؤخذ من هذا أن استعمال الزبل فى وقود الحمامات قديم العهد، ولم يزل جاريا إلى اليوم.