ثم قدم إلى القدس وأقام بها منعكفا على العبادة وتلاوة كلام الله القديم وإلقاء حديث النبى العظيم. واستقر منعزلا عن الناس ولا يخالطهم فى وحشة ولا إيناس، فحسده أهل القدس على حبه الخفاء وشهرته تأباه ولإقبال الكبراء والأعيان عليه مع أن ذلك بخلاف رضاه، فأظهروا له الشر والتجرى وأسندوا إليه أمورا هو منها فى غاية التبرى.
وحاشاه من قول عليه مزوّر … وما علمت ذنبا عليه الملائك
فهاجر إلى دمشق فقابلته بتأهيل وترحيب، وأنزلته فى صدر منها رحيب، وأقام بالجامع المعروف بالصابونية قرب باب الصغير يقصد ويزار، وإليه بالورع التام والزهد الكامل يشار، عكفت عليه أهل دمشق قاطبة واعتقدوه وأحبوه حتى صار من تلامذته ومريديه خلق كثير من أهلها، وكان سببا لنشر حفظ القرآن فيها فإن الحفاظ صاروا أكثر من/أربعمائة نفر بنفسه المبارك. وأقام على حالته المذكورة أيضا منعزلا لا يذهب إلى أحد من الحكام بل هم يأتون إليه ويلتمسون منه الدعاء.
وكان كثيرا ما يحج فى غالب السنين وحج عن سنة خمس وستين وألف وجاور بالمدينة تلك السنة وهى السنة التى مات فيها فأرسل إليه الشيخ عبد الجواد المنوفى من مكة إلى المدينة قصيدة يهنئه بالمجاورة لخير خلق الله ﷺ مطلعها:
دار الحبيب أحق أن نهواها … ونحن من طرب إلى ذكراها
فأجابه بأبيات أولها:
أيا سائلا عنى وعن وصف خلتى … تريد بها حظا بأوفر بغية
وكانت وفاته فى الحادى والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وألف ودفن بالبقيع بالقرب من مدفن سيدنا إبراهيم بن النبى ﷺ.