ضمن الجامع وحده الذى به المحراب، والمنبر يكون بحذاء جدار القبة الذى به محرابها، والحد الرابع الذى يلى خان الخليلى هو الذى له الآن، وجعلت الصحن والحنفية فى جهته القبلية، أعنى فى محل الإيوان القديم بجوار عمارة العنانى، ويكون قبلى ذلك المطهرة والمراحيض بحيث يؤخذ لها بعض من عمارة العنانى، حتى يكون الجامع آمنا من انعكاس روائح الأخلية عليه. وعلى هذا الرسم صار الضريح الشريف خارجا عن الجامع متصلا بالصحن، وجعلت للضريح بابا إلى الجامع وبابا إلى الصحن، وبابا إلى شارع الباب الأخضر، وجعلت سعة الشارع فى غربيه وشرقيه نحو ثلاثين مترا وفى بحريه نحو أربعين مترا.
فلما قدمته إليه وقع عنده موقع الاستحسان، وفى الحال أحضر الأمير راتب باشا الكبير - وهو يومئذ ناظر الأوقاف المصرية - وأمره بإجراء العمارة على هذا الرسم، ثم شرعوا فى هدمه، فهدم جميعه ما عدا القبة والضريح، وشرعوا فى بنائه وذلك فى خامس عشرى المحرم سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف. وفى ثمان وعشرين من شهر شعبان سنة تسعين تم جميعه إلا المئذنة فتمت سنة خمس وتسعين، وبلغ المنصرف على البناء فقط نحو سبعين ألف جنيه مصريا، وهو مبلغ جسيم كان يكفى لجعل هذه العمارة أحسن عمارة من عمارات القاهرة.
ومع كل ذلك لم يجر المرحوم راتب باشا فى وضع هذا الجامع على ما رسمناه زاعما أن هذا الرسم يلزمه خروج بعض الجامع إلى الشارع مع أنه لا يلزم ذلك عند التأمل فى الرسم، وصار هذا الجامع - مع سعته وارتفاعه وكثرة مصروفه - غير مستوف لحقه من الانتظام والتماثل والنور والهواء لسوء رسمه ورسم الأبواب والشبابيك وعدم أخذها حقها من الارتفاع والاتساع مع قلتها وقلة الملاقف.
ومن العجيب أن منحنيات قواصر الأساطين جاءت على شكل مخالف لأشكال المنحنيات الهندسية إلى غير ذلك من الأسقام. ثم إن جميع بناء هذا الجامع بالحجر النحيت، وله إلى جهة خان الخليلى ثلاثة أبواب، وباب إلى عمارة العنانى غير مستعمل الآن، والباب الأخضر، وباب بين المطهرة والساقية، وله منبر بديع الصنعة، ومنارتان إحداهما بجوار القبة وهى قديمة، والأخرى فى جهته القبلية جددت مع الجامع. ودخل فى هذه العمارة عدة بيوت كانت حول الجامع من جهته الشرقية والبحرية؛ منها بيت للسادات - محله الآن الصحن والحنفية - والباقى منه ما هو وقف ومنه ما هو مملوك لأربابه، وقد اشتراه ديوان الأوقاف، ودفع ثمنه من خزينته، ثم هدم الجميع، وجعل فى بعض مساحته الميضأة والمراحيض والمصانع، والبعض الآخر جعل طرقة للمرور من الجهة الشرقية والبحرية.