المقدار السابق بالفراسخ ٩٤،٥٠٠، وهذا البعد يزيد عن البعد الذى حسب فى زماننا وقدره ٨٦،٣٢٤ فرسخا للبعد من الأرض إلى القمر بفرق قدره ١/ ١١.
ولكن هذا الفرق لا يمنع من الشهادة للمصريين بأنهم وصلوا لهذه الدرجة، ولم يسبقهم غيرهم.
وعلى أى حال فطرق وصولهم لهذه النتائج مجهولة لنا بالتفصيل. ومما يثبت لهم المعلومات الفلكية شهرة، علوم مدرسة فيثاغورس ومن خرج منها من الفلاسفة الناشرين للعلوم التى كانت تدرّس بها، ومعلوم للجميع مما نقله الأقدمون أن جميع علوم هذه المدرسة منقولة عن المصريين، وأنهم أقاموا بمدارس مصر وتعلموا بها هذه الفنون، ومما يدل أيضا على عظم قدرهم فى العلوم، ما نقله يلين أيضا عن بوزودونيوس من أن بعد القمر عن الأرض مليون من الغلوة، وليس ذلك الا الغلوة المصرية الداخلة فى الدرجة الأرضية للستمائة مرة، لأنه ينتج عن هذا التقدير ٨٣،٣٣٣ من الفراسخ، وهذا قريب جدا من الحقيقة.
وكذلك قوله إن فلك الريح والسحاب مرتفع فوق الأرض بأربعمائة غلوة، يدل على استعمال الغلوة المصرية الداخلة فى الدرجة ستمائة مرة كما سبق؛ لأنه ينتج عن هذا المقدار ٢/ ١٦٣ فرسخا، وهو ارتفاع الجو كما هو مقدر الآن بيننا، فحيث كان لا يدخل فى هذه التقديرات إلا الغلوة المصرية، فيظن أن جميع ذلك مذكور عنهم. وإذا وصل قوم لحساب ذلك لا يبعد عليهم حساب الدرجة الأرضية.
ولولا خوف الإطالة لأوردنا من كلام المؤرخين ما يدل على أن المصريين كان لهم معرفة تامة بعلم الفلك، وإنهم اشتغلوا به وبغيره من الفنون والصنائع، ولكن فى ذلك كفاية، إذ الغرض تيقظ القارئ ليعلم قدر هذه الأمة التى أخنى عليها الدهر، وكأنها لم تكن، مع أنها هى أساس التمدن فى تلك الديار، ومنها انتقل إلى جميع بلاد الدنيا.