وأدركناها عامرة بكثرة المساكن والناس والأسواق والمناظر، وتقصد للنزهة بها أيام النيل والربيع لا سيما فى يومى الجمعة والأحد، فإنه كان للناس بها فى هذين اليومين مجتمع ينفق فيه مال كثير، ثم لما حدثت المحن فى سنة ست وثمانمائة ألح المناسر بالهجوم عليها فى الليل، وقتلوا من أهلها عدة، فارتحل الناس منها، وخلت أكثر دورها وتعطلت، حتى لم يبق بها سوى طاحون واحدة لطحن القمح، بعد ما كان بها ما ينيف على ثمانين طاحونة، وبها الآن بقية، وهى جارية فى الديوان السلطانى المعروف بالمفرد.
وفيه أيضا عند ذكر مناظر الخلفاء ما يفيد أن منظرة التاج كانت تقرب من منية الشيرج، فإنه قال منظرة التاج من جملة المناظر التى كانت الخلفاء تنزلها للنزهة، بناها الأفضل ابن أمير الجيوش، وكان لها فرش معدّة لها للشتاء والصيف، وقد خربت ولم يبق لها سوى أثر كوم توجد تحته الحجارة الكبار، وما حول هذا الكوم صار مزارع من جملة أراضى منية الشيرج.
قال ابن عبد الظاهر: وأما التاج فكانت حوله البساتين عدة، وأعظم ما كان حوله قبة الهواء، وبعدها الخمسة وجوه التى هى باقية، انتهى.
ثم تكلم على الخمسة وجوه وعلى منظرتها، فقال: كانت منظرة الخمس وجوه من مناظرهم التى يتنزهون فيها، وهى من إنشاء الأفضل بن أمير الجيوش، وكان لها فرش معد لها، وبقى منها آثار بناء جليل على بئر متسعة، كان بها خمسة أوجه من المحال الخشب التى تنقل الماء لسقى البستان العظيم الوصف، البديع الزى البهيج الهيئة، والعامة تقول التاج والسبع وجوه.
وموضعها إلى وقتنا هذا من أعظم متفرجات القاهرة، وينبت هناك فى أيام النيل عندما يعم النيل تلك الأراضى البشنين، فتفتن رؤيته وتبهج النفوس نضارته وزينته، فإذا نضب ماء النيل زرعت تلك البسيطة قرطا وكتانا يقصر الوصف عن تعداد حسنه.