ذلك كان هو الداعى لضبطه فى مكانه حتى لا يقع بوضع العتب الخشب المثبت من طرفيه فى الحائط الشرقى والغربى من بئر المقياس، والعمارة المذكورة محققة من الكتابة التى كانت موجودة فى وقت الفرنساوية على العتب المذكور فبقى المقياس على هذا الحال زمنا مديدا إلى سنة خمس وثمانين وأربعمائة من الهجرة، وفى خلافة المستنصر صارت عمارته وبناء مسجد بجواره، والكتابة التى كانت موجودة إلى وقت دخول الفرنساوية، وبقيت بعد ذلك مدة كانت توجد فى ثلاثة مواضع:
أحدها: داخل المقياس.
وثانيها: فوق باب المسجد.
وثالثها: على الحائط الغربى/من المسجد المذكور.
ومن نظر للكتابة المذكورة، علم أنه فى ذاك التاريخ كانت الكتابة الكوفية مستعملة فيما يكتب على المبانى، مثل المساجد والأسبلة وما أشبهها. ولكن كانت انتقلت عن حسنها الأول، ثم من ابتداء زمن الخليفة المستنصر ظهرت الكتابة القرماطية، وكانت فى غاية من الظرف والإتقان، ويدل ذلك على أنه اعتنى فى زمنه بأمر التربية وأهل العلم بخلاف السابقين عليه؛ لأنهم بسبب إهمالهم وعدم اعتنائهم، كانت الأمور متلاشية خصوصا فى زمن الخليفة المتوكل لكثرة قسوته وتجبره، والذى ساعد على التقدم فى زمن المستنصر هو كثرة الاطمئنان والسلم اللذين كانت غارقة فيهما الديار المصرية مدة خلافته الطويلة، فإنه جلس على التخت وعمره سبع سنين وبقى متولى الخلافة ستين سنة، ومن هذا التاريخ إلى سنة أربع وعشرين وتسعمائة من الهجرة يظهر أنه لم يجر فى المقياس عمارات إلى زمن الأيوبية.