للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على، وذلك أنه لما تكرر على سمعه أفعال السوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذاء وخزم الأنوف والتجريس قال فى مجلس خاصته: «لقد سرى حكمى فى الأقاليم البعيدة فضلا عن القريبة، وخافنى العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقة مصر فإنهم لا تدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الإهانة والإيذاء، فلا بد لهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم».

فوقع اختياره على مصطفى كاشف هذا فقلده ذلك، وأطلق له الإذن، فعند ذلك ركب فى كبكبة، وخلفه عدة من الخيالة، وترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه، وصار يطوف على الباعة، ويضرب بالدبوس هشما بأدنى سبب، ويعاقب بقطع شحمة الأذن، فأغلقوا الحوانيت، ومنعوا وجود الأشياء حتى ما جرت به العادة فى رمضان من عمل الكعك والكنافة وغير ذلك، فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت، وزاد فى العسف، ولم يرجع عن اجتهاده، ولازم السعى والطواف ليلا ونهارا، وإذا أدركه النوم نام لحظة فى أى مكان ولو على مسطبة دكانه وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون فى الحواصل، ويخرجه ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض، ويوزعه على أرباب الحوانيت ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين فى كل رطل، وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج سمنا كثيرا معظمه من مخازن العسكر، فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذون منهم بالسعر المفروض، ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما أحبوا من الزيادة الفاحشة، فلم يراع جانبها، واستخرج مخبآتهم قهرا عنهم، ومن خالف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به.

فعندما رأى أرباب الحوانيت منه ذلك فتحوا حوانيتهم، وأظهروا مخبآتهم، وذلك خوفا من بطشه وعدم رحمته بهم. وكان يأمر بكنس الأسواق، ومواظبة رشها بالماء، ووقود القناديل على أبواب الدور والحوانيت.

ونادى على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التى عمروها بمصر القديمة وزخرفوها وسكنوا بها بطريق الإنشاء، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق