ويظهر من فحوى حجج أملاك هذه الخطة المحررة فى القرن الحادى عشر أن خط المدابغ القديم كان كبيرا جدا، وكان لا يسكنه إلا المدابغية وما ماثلهم، ومن ضمنه الآن شارع سوق العصر وشارع سويقة عصفور وشارع الداودية القبلى وشارع الداودية البحرى وما با لك من الحارات والعطف وغيرها. ثم لما كثرت الأهالى احتيج لسكن هذه الخطة، فحصل الضرر لمن كان يسكن بها من روائح قاذورات المدابغ، فتشكى الناس من ذلك، فنقلت المدابغ إلى باب اللوق.
ثم فى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف هجرية انتقلت المدابغ من باب اللوق إلى مصر العتيقة، وذلك أن مصلحة المدابغ من المصالح المقررة، ويلزم أن تكون بعيدة عن العمران، لما ينشأ عنها من الضرر الحاصل من العفونات والأوساخ والقاذورات المضرة بالصحة، وقبل انتقالها كان الإنسان لا يمكنه المرور من هناك إلا بمشقة، لما يجد من كثرة الروائح الكريهة، الناتجة من الجلود المدبوغة، ومن البرك التى تجتمع فيها مياه الدباغة ونحوها، وقد حصل التشكى كثيرا من ديوان الصحة للحكومة فى زمن المرحوم عباس باشا ولم يجد نفعا، وكذلك فى زمن المرحوم سعيد باشا، ثم فى زمن الخديو إسماعيل صدر الأمر بنقلها وشراء جميع أملاك المدابغ على طرف الميرى، وتجعل مدبغة ميرية على جسر البحر قبلى مصر العتيقة، فحينئذ عمل الرسم لذلك بمعرفة قلم الهندسة وأعطى بالمقاولة، وتم على أحسن حال، ونقلت المدابغ هناك فى سنة اثنتين وثمانين كما تقدم، وتخلصت المدينة من أذى الروائح الكريهة التى كانت منتشرة فى تلك الجهات بسبب المدابغ. ومع كل ذلك لم تخسر الحكومة شيئا فى ذلك، فإن أرض المدابغ بيعت عن آخرها، وبنى فى مكانها المنازل الممتدة من جامع الطبلخ إلى مصر القديمة، وصار محلها الآن مبانى مشيدة وشوارع جديدة، وأضحت من أبهج المتنزهات، وأعمر المحلات.
وإلى هنا انتهى الكلام على وصف شارع سوق العصر قديما وحديثا: