للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى حروبه، وله محاربات ووقائع كثيرة مع التتار وغيرهم، انتصر فيها، فعظمت هيبته، وامتدت شوكته، فافتتح بعض البلاد، وهادنه بعض الملوك، وهاداه بعضهم، وقرر على صاحب سيس كل سنة قطيعة من أضياف ودراهم تبلغ مقدار ألف ألف درهم، حتى قال بعضهم إذ ذاك: «لو فتحت سيس ما فضل بعد مصروفها مقدار ما وقع عليه الهدنة».

وهاداه بعض الملوك - مثل ملك سيلان.

وغزا بلاد النوبة سنة سبع وثمانين وستمائة، وكان له فيها فتوح عظيمة، وعاد منها بغنائم عظيمة.

وفى أيامه حدثت عمارات كثيرة وكان له آثار فاخرة، منها المدرسة والقبة المنصورية، والمارستان. وقد دخل فى عمارة هذه المبانى كثير من أعمدة قلعة الروضة ورخامها كما يأتى ذكره فى الكلام على المدرسة المنصورية.

وفى أيام ملكه أكثر من شراء المماليك الجركسية، وجعلهم فى أبراج القلعة، وسمّاهم البرجية، فبلغت عدتهم ستة آلاف، وعمل منهم أوجاقية، وحمقدارية، وجاشنكيرية، وسلاحدارية، وأحدث تغييرا فى ملابس العسكر، واستجدّ طائفة سماها البحرية، وسببه أن البحرية الصالحية كانوا تشتتوا بعد قتل الفارس أقطاى فى أيام سلطنة المعز أيبك التركمانى، وبقيت أولادهم بمصر فى حالة رذيلة، فلما أفضت السلطنة إلى الملك المنصور قلاوون جمعهم، ورتب لهم الجوامك، والعليق، واللحم، والكسوة، ورسم أن يكونوا على أبواب القلعة، وسمّاهم البحرية.

وكان له عناية زائدة بالمماليك حتى إنه كان يخرج فى غالب أوقاته إلى الرحبة عند وقت حضور الطعام للمماليك، ويأمر بعرضه عليه، ويتفقد لجمهم، ويختبر طعامهم جودة ورداءة، فمتى رأى فيه عيبا اشتد على المشرف والأستادار، ونهرهما، وأحل بهما المكروه. وكان يقول: «كل الملوك عملوا شيئا يذكرون به ما بين مال وعقار، وأنا عمّرت أسوارا، وعملت حصونا مانعة لى ولأولادى وللمسلمين، وهم المماليك». وكانت المماليك أبدا تقيم بهذه الطباق، ولا تبرح منها.

وهو الذى بنى بقلعة الجبل دار النيابة فى سنة سبع وثمانين وستمائة، وكانت النواب تجلس بشباكها إلى أن هدمها الناصر محمد بن قلاوون، وأبطل النيابة والوزارة، ثم اهتم بإعادتها بعده قوصون إلا أنه مات قبل أن تكمل، فكملت من بعده فى أيام الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون.