الأوقاف، والمعلوم من أمر الشيخ المدفون بهذا الجامع أنه كان فى مبدأ أمره قاطع طريق، وكان له صاحبان ملازمان له، أحدهما الشيخ يوسف المدفون فى الشارع العام الموصل من الإسماعيلية إلى قصر العينى، تحت القبة المجاورة لقبة لاظ أوغلى، والثانى لم أقف على اسمه وإنما كان يجلس بحارة درب سعادة على مكسلة بيت متخرب هناك، ويتزيّا بزى الدراويش، وللناس فيه اعتقاد كبير، ويزعمون أنه من الأولياء فيتبرّكون به ويقبلون يده، وكان يستمر جالسا إلى الليل، وكلما مر عليه رجل بمفرده قال: يا واحد فيخرج فى الحال من البيت جملة رجال يحتاطون به، ويدخلونه البيت قهرا عنه، فيقتلونه ويسلبون ما معه واستمروا على ذلك الفعل القبيح زمنا طويلا، إلى أن استشعر الضابط بذلك، فأكمن لهم كمينا، وحرض رجلا على المرور ليلا من هناك، فلما مر الرجل نادى الشيخ كعادته، فخرجت الرجال واحتاطت به، وإذا بالكمين قد خرج عليهم وضبطهم، ووضع اليد على الشيخ ومن كان معه بالبيت، وعاقبوهم عقابا شديدا، فأقر الشيخ على صاحبيه الشيخ يوسف، والشيخ صالح.
هذا وكان الشيخ يوسف يلوذ بلاظوغلى، فوقع عليه فعفا عنه، وأما الشيخ صاحب المكسلة فقتل بعد تعذيبه، وأما الشيخ صالح فاحتمى بامرأة مغنية مشهورة، فادعت أنه مجنون، ووضعت فى رجليه قيدا من حديد، فأخذوه فوجدوه كما قالت، واعتقل لسانه عن الكلام لشدّة خوفه، وبقى على ذلك مدة، ثم شاع عنه بين الناس أن له كرامات وأخبارا بالمغيبات، وذلك بواسطة من اجتمع حوله من الأوباش ونحوهم، فقصده كثير من الناس أمراء وغيرهم، واعتقدوا فيه خصوصا النساء، وازدحم بيته بالزوار، وهجمت عليه النذور والهدايا، كل ذلك وهو لا يتكلم وملقى على الفراش وعليه حزام من صوف أبيض، وفى رجليه قيود الحديد، وحوله الخدم، وعند رأسه امرأة بيدها مروحة تروّح بها عليه وهو يحرك رأسه ويلعب شفتيه، فيسمع له صوت ساذج خفى جدّا يشبه صوت الأخرس وليس له مفهوم، فعند ذلك تقول المرأة للحاضرين من الزائرين الشيخ يقول فلانة تتزوّج، وفلانة تصطلح مع زوجها، وفلانة تحبل، والغائب يحضر، وزيد يترقى، وبكر ينعزل إلى غير ذلك من الخرافات، فكل من كان حاضرا يأخذ له معنى لنفسه من هذه الألفاظ، وبسبب ذلك صارت خدمته فى ثروة كبيرة وفوائد كثيرة، واستمرت حالته هكذا إلى أن مات، فبنى له الخديو إسماعيل هذا الجامع ودفن به، وهو جامع عظيم لم يبن لغيره من الأفاضل