وفى صبيحة يوم هذا الحريق قبض على ثلاثة من النصارى وجد معهم فتائل النفط، فأحضروا إلى السلطان واعترفوا بأن الحريق كان منهم، فلما ركب السلطان إلى الميدان على عادته وجد نحو عشرين ألف نفس من العامة قد صبغوا خرقا بلون أزرق، وعملوا فيه صلبانا بيضا، وعند ما رأوا السلطان صاحوا بصوت عال واحد: لا دين إلا دين الإسلام، نصر الله دين محمد بن عبد الله، يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام انصرنا على أهل الكفر ولا تنصر النصارى، فارتجت الدنيا من هول أصواتهم، وأوقع الله الرعب فى قلب السلطان وقلوب الأمراء، وسار وهو فى فكر زائد حتى نزل بالميدان وصراخ العامة لا يبطل، فرأى أن الرأى فى استعمال المداراة، وأمر الحاجب أن يخرج وينادى بين يديه من وجد نصرانيا فله ماله ودمه فخرج ونادى بذلك، فصاحت العامة وصرخت نصرك الله وضجوا بالدعاء، وكان النصارى يلبسون العمائم البيض، فنودى فى القاهرة ومصر من وجد نصرانيا بعمامة بيضاء حل له دمه وماله ومن وجد نصرانيا راكبا حل له دمه وماله، وخرج مرسوم بلبس النصارى العمامة الزرقاء، وأن لا يركب أحد منهم فرسا ولا بغلا، ومن ركب حمارا فليركبه مقلوبا، ولا يدخل نصرانى الحمّام إلا وفى عنقه جرس، ولا يتزيا أحد منهم بزى المسلمين، ومنع الأمراء من استخدام النصارى، وأخرجوا من ديوان السلطان، وكتب لسائر الأعمال بصرف جميع المباشرين من النصارى، وكثر إيقاع المسلمين بالنصارى حتى تركوا السعى فى الطرقات، وأسلم منهم جماعة كثيرة. (انتهى ملخصا).
(قلت): وقد أطال المقريزى القول على هذه الحادثة الشنيعة فى خططه فلتراجع.
وكان ابتداؤها من تاسع ربيع الآخر، واستمرت إلى نصف جمادى الأولى، وتخرّب بسببها كثير من الدور والمساجد والمدارس والكنائس، وتلف كثير من الأسباب والأموال، ولله عاقبة الأمور.