وأحضر جميع حمال الأمراء، فنقلت الطين حتى كساه كله، وزرعه، وحفر به الآبار وركب عليه السواقى، وغرس فى بعضه النخيل والأشجار، وأدار عليه سورا من الحجر، وبنى حوضا للسبيل من خارجه. فلما كمل نزل إليه، ولعب فيه بالكرة مع أمرائه، وخلع عليهم، وكان القصر الأبلق يشرف عليه، وجعل فيه عدة وحوش، وأمر بربط الخيل فيه، واتخذ صلاة العيدين به عادة.
وعمل فى القلعة الحوش الذى لا يرى مثله، وكانت مساحته أربعة فدادين وكان موضعه بركة عظيمة قد قطع ما فيها من الحجر لعمارة قاعات القلعة، حتى صارت غورا كبيرا فردمها فى سنتين، وأحضر من بلاد الصعيد ومن الوجه البحرى ألفى رأس غنم، وكثيرا من البقر الأبلق لتقف فى هذا الحوش، فصار مراح غنم، ومربط بقر، وأجرى الماء إليه من القلعة، وأقام الأغنام حوله، وتتبع فى كل سنة المراحات من عيذاب وقوص وما دونهما من البلاد، ليأخذ ما بهما من الأغنام المختارة، بل جلبها من بلاد النوبة ومن اليمن، فبلغت عدتها بعد موته ثمانين ألف رأس.
واهتم بعمل السواقى التى تنقل الماء من بحر النيل من جهة بركة الحبش إلى القلعة، واعتنى بها عناية عظيمة، فأنشأ أربع سواق على بحر النيل تنقل المياه إلى السور، ثم من السور إلى القلعة، وعمل نقّالة من المصنع الذى عمله الظاهر بيبرس عند زاوية تقى الدين رجب، التى بالرميلة تحت القلعة إلى الاصطبل.
وأنشأ بالقلعة بستانا عظيما، جلب إليه أصناف الأشجار من سائر البلاد، حتى طلع فيه الكادى وجوز الهند وغير ذلك.
وفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عزم على عمل خليج يبتدئ من ناحية حلوان لتوصيل الماء إلى القلعة، ولم يتم له ذلك لأن المهندسين الذين أحضرهم من الشام قدّروا المصرف ثمانين ألف دينار، والمدة عشر سنين، فعدل عن ذلك.
وفى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة اهتم الملك الناصر بسوق الماء إلى القلعة، لأجل سقى الأشجار وملء الفساقى، ولأجل مراحات الغنم والبقر، فطلب المهندسين والبنائين، ونزل معهم، وسار فى طول القناطر التى تحمل الماء من النيل إلى القلعة، حتى انتهى إلى الساحل، فأمر بحفر بئر أخرى، وإعمال القناطر لينقل عليها الماء حتى تتصل بالقناطر العتيقة، فيجتمع الماء من البئرين ويصير ماء واحدا يجرى إلى القلعة، فعمل ذلك، ثم أحب الزيادة فى الماء أيضا، فركب ومعه المهندسون إلى بركة الحبش، وأمر بحفر خليج صغير يخرج من البحر، ويمر إلى حائط الرصد، وينقر فى الحجر تحت الرصد عشر آيار يصب فيها الخليج المذكور،