للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذا فى الجبرتى، ووجد فى قطعة من رحلة مجهولة معنون أولها بما نصه: (القسم الثانى فى الإقبال على الديار المصرية)، وبتصفحها علم أنها للولى الشهير سيدى الأستاذ عبد الغنى النابلسى، المولود بدمشق سنة ١٠٥٠، والمتوفى بصالحيتها سنة ١١٤٣ مجاوزا التسعين، وأنه رتبها على الأيام، من يوم رحيله من بلدته، وأن قدومه مصر كان من طريق الشام، وأن لها قسمين. أولهما يختص بمسيره من الشام إلى مصر، والثانى بمسيره من مصر إلى الحجاز، كما ذكر ذلك فى سلك الدرر قائلا. إن ابتداء هذه الرحلة كان فى سنة ١١٠٠ هـ.

وقد تضمنت تلك القطعة التى هى القسم الثانى من الرحلة المذكورة، المختص ذلك القسم بالديار المصرية أنه أقام هو وأصحابه نحو ثلاثة شهور ونصف، كلها بمنزل للمترجم بمصر على بركة الأزبكية، خصصه لنزولهم، وأعد لهم فيه من الفرش والأمتعة، وأنواع الأطعمة والحلوى، وبن القهوة وغير ذلك مما يحتاج إليه، وأجرى عليهم من النفقات والكساوى، وعلف دوابهم ما استوعبت تفاصيله أوراقا من تلك القطعة، مع شرح ما دار بينهم من المذكرات العلمية والأدبية والصوفية، مما يدل على أن المترجم كان غاية فى العلم والغنى والجاه والصلاح وعلو المنزلة، نافذ الكلمة فى الدولة، معتقدا لدى العموم، وفى تلك القطعة جملة قصائد لصاحبها فى المترجم، منها قصيدة طويلة مطلعها:

إلى القطب من دارت على أمره مصر … فما مثلها فى الأرض صقع ولا مصر

يقول فى آخرها:

ولا زالت الأيام مشرقة به … وباب المعالى منه يفتحه النصر

على أمد الأوقات ما الصبح والمسا … توالى وما قطر به قد همى قطر

وما جذبت عبد الغنى محبة … لمن هو لا زيد لديه ولا عمرو

وقصيدة مطلعها

رعى الله من مصر على القرب موردا … به النيل وافى ماؤه يذهب الصدا

ثم لم يزل يمدح فيها مصر ونيلها، وبركة الأزبكية وما حولها، إلى أن قال:

بها قطبنا البكرى يبدو بروشن … له ثم مملوء من العز والهدى

وبيت شريف بات داعى كماله … ينادى بأنواع المحامد والندى

رعى الله ذاك الأصل والفرع أنه … حوى شرفا محضا وعزا وسؤددا