للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان المرحوم عباس باشا فى جلوسه على تخت مصر يزوره فى درسه بالأزهر فلا يقوم له، بل يحضر له كرسى من جريد يجلس عليه خارج الدرس هنيهة، ثم يخرج وينثر خارج الأزهر شيئا من القروش الفضة المصرية. وقبيل سنة سبعين قام جماعة من مجاورى المغاربة على الشيخ وهموا بضربه من أجل مرتب الجراية، وأراد القبض عليهم فتعصبوا فرفع الأمر للحكومة، فجاءت العساكر إلى رواق المغاربة وقبضوا على من وجدوه وسمروا الرواق وبقيت المحافظة عليه أياما ثم انحسمت المادة بنفى أربعة منهم مشهورين بالعداء.

وفى زمن جلوس المرحوم سعيد باشا على التخت حصل التشديد فى طلب الشبان للعسكرية فاضطر بعض مشايخ القرى لدخول الأزهر للقبض على أشخاص محتمين بالأزهر بسيمة طلب العلم، وكلموا الشيخ فى ذلك وهو على كرسى درسه فنهرهم وصرح فى وجوههم، وأمر بضربهم فقام عليهم المجاورون بالنعال والأكف والعصى حتى أسكتوهم، ثم رفعوا ومات أحدهم من ذلك الضرب ولم يعرف له قاتل وذهب دمه هدرا.

وكان للشيخ ملازمة كلية على الدرس بالأزهر وقيام تام بوظائف المشيخة إلى أن كبر سنه فأهمل، وحصل بالأزهر حوادث أو جبت إقامة أربعة وكلاء عنه للقيام بواجبات الوظيفة، فمن تلك الحوادث أن بعض الشوام والصعايدة تزاحموا فى الجلوس فى الدرس وتضاربوا فجاء جملة من الشوام بالنبابيت والعصى وساقوا الصعايدة سوقا عنيفا، وركبوا أقفيتهم من تحت الإيوان إلى رواق الصعايدة، فخضر طائفة من الصعايدة بنبابيتهم ووقعوا بالشوام ضربا، وهموا وراءهم بقوة شديدة حتى أدخلوهم رواق الشوام وحاصروهم به ولم يسع الشوام إلا قفل باب الرواق، بل تسور لهم بعض الصعايدة من فوق السطوح واستمروا كذلك حتى ذهب الشيخ محمد الرافعى إلى بعض الأعيان من تجار الشوام وأخبره وذهبوا جميعا إلى خبر الدين باشا ضابط مصر، فحالا أرسل جملة من عساكر الأرنؤود وخلافهم فدخلوا الأزهر بصورة شنيعة وتطاولوا على كل صعيدى بلا تحقيق، فأخذ الصعايدة فى الذب عن أنفسهم حتى أخرجوا العساكر من الأزهر، ولم يلبثوا أن جاءت عساكر جهادية وأتراك بكثرة من طرف الضابط لما بلغه من التهويل، فدخلوا الأزهر بأسلحتهم ونفيرهم وطبلهم لابسين الجزم فقبضوا من الصعايدة على نحو ثلاثين وسجنوهم بالضبطية، ثم أخذوا ثلاثة من مشايخهم وعوقوهم هناك قليلا وبعد أطلقوهم/وبقى المجاورون فى السجن، وكان إذ ذاك المرحوم سعيد باشا فى الأرض الحجازية يزور النبى ، وكانت الأحكام فى غيبته لوكلائه أحمد باشا ومصطفى باشا وعبد الحليم باشا وإسماعيل باشا الخديو بعده، فسعى بعض المشايخ عندهم فى الإفراج عنهم فأفرج عنهم بعد نحو عشرين يوما.