للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشر افرنكا أو ثلاثة ريالات سينكو. فلما أراد بناءه قدر له ثلاثمائة عمود، فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس فى الأرياف والضياع الخراب فتحملها منها، فأنكر ذلك ولم يختره، وتعذب قلبه بالفكر فى أمره، وبلغ الخبر النصرانى الذى تولى له بناء العين وكان قد غضب عليه ورماه فى المطبق، فكتب إليه يقول: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودى القبلة، فأحضره وقد طال شعره حتى نزل على وجهه فقال: ويحك ما تقول فى بناء الجامع؟ فقال: أنا أصوره للأمير حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودى القبلة. فأمر بأن يحضر له الجلود فأحصرت، وصوره له فأعجبه واستحسنه، فأطلقه وخلع عليه، وأطلق له للنفقة عليه مائة ألف دينار وقال له: أنفق، وما احتجت إليه أطلقناه لك. فوضع النصرانى يده فى البناء، فكان ينشر من جبل يشكر ويعمل الجيرويبنى، إلى أن فرغ من جميعه وبيضه وخلقه، وعلق فيه القناديل بالسلاسل الحسان الطوال، وفرش فيه الحصر وحمل إليه صناديق المصاحف، ونقل إليه القراء والفقهاء، فلما كان أول جمعة صلاها فيه أحمد بن طولون وفرغت الصلاة جلس محمد بن الربيع خارج المقصورة، وقام المستملى وفتح باب المقصورة وجلس أحمد بن طولون والغلمان قيام وسائر الحجاب، فتكلم ابن الربيع على حديث «من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا فى الجنة» فلما فرغ المجلس خرج إليه غلام بكيس فيه ألف دينار وقال: يقول لك الأمير نفعك الله بما علمك وهذه لأبى طاهر، يعنى ابنه، وتصدق ابن طولون بصدقات عظيمة، وعمل طعاما للفقراء والمساكين، وكان يوما عظيما.

ونزل أحمد بن طولون فى الدار التى عملها فيه للإمارة، وكانت فى الجهة القبلية منه، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة بجوار المحراب والمنبر، وكانت قد فرشت وعلقت بها القناديل وحملت إليها الآلات والأوانى وصناديق الأشربة وما شاكلها، فجدّد بها طهره وغير ثيابه وخرج إلى المقصورة فركع وسجد شكرا لله تعالى على ما أعانه عليه من ذلك، ثم خرج من المقصورة حتى أشرف على الفوارة وخرج إلى باب الريح، فصعد النصرانى الذى بنى الجامع ووقف إلى جانب المركب النحاس وصاح: يا أحمد بن طولون يا أمير الأمان عبدك يريد الجائزة، ويسأل الأمان أن لا يجرى عليه مثل ما جرى فى المرة الأولى. فقال له: انزل فقد أمنك الله، ولك الجائزة. فنزل وخلع عليه، وأمر له بعشرة آلاف دينار، وأجرى عليه الرزق الواسع إلى أن مات.

ولم يزل ينزل بهذه الدار إذا راح إلى الصلاة إلى أن قدم المعز لدين الله أبو تميم معدّ من