للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلاد المغرب فصار يجبى فيها الخراج، وبقيت زمنا ثم تخربت وصار موضعها ساحة ثم احتكرت وبنيت.

ويقال: إن ابن طولون راح فى يوم الجمعة إلى الجامع، فلما رقى الخطيب المنبر وخطب -وهو أبو يعقوب البلخى-دعا للمعتمد ولولده، ونسى أن يدعو لأحمد بن طولون، ونزل عن المنبر فأشار أحمد إلى نسيم الخادم أن اضربه خمسمائة سوط، فذكر الخطيب سهوه وهو على مراقى المنبر، فعاد وقال: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما، اللهم وأصلح الأمير أبا العباس أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين. وزاد فى الشكر والدعاء له بقدر الخطبة، ثم نزل فنظر أحمد إلى نسيم أن اجعلها دنانير، ووقف الخطيب على ما كان منه فحمد الله تعالى على سلامته وهنأه الناس بالسلامة.

ورأى ابن طولون الصناع يبنون فى الجامع عند العشاء-وكان فى شهر رمضان- فقال: متى يشترى هؤلاء الضعفاء إفطارا لعيالهم وأولادهم؟ اصرفوهم العصر. فصارت سنة إلى اليوم بمصر. فلما فرغ شهر رمضان قيل له: قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى رسمهم. فقال: قد بلغنى دعاؤهم وقد تبركت به، وليس هذا مما يوفر العمل علينا.

قال القضاعى: إن السبب فى بنائه أن أهل مصر شكوا إليه ضيق الجامع يوم الجمعة من جنده وسودانه، فأمر بإنشاء هذا الجامع، فابتدأ فى بنائه فى سنة ثلاث وستين ومائتين وفرغ منه فى رمضان سنة خمس وستين ومائتين، فجاء من أحسن الجوامع، وعمل فى مؤخره ميضأة وخزانة شراب فيها جميع الشرابات والأدوية وعليها خدم، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة، وبلغت نفقة بنائه مائة وعشرين ألف دينار. وتقرب الناس إلى ابن طولون بالصلاة فيه، وألزموا أولادهم صلاة الجمعة فى فوارة الجامع، ثم يخرجون بعد الصلاة إلى مجلس الربيع بن سليمان ليكتبوا العلم ومع كل واحد عدة أوراق وعدة غلمان.

ويقال إن ابن طولون رأى فى منامه كأن الله تعالى قد تجلى ووقع نوره على المدينة التى حول الجامع إلا الجامع فإنه لم يقع عليه من النور شئ، فتألم وقال: والله ما بنيته إلا لله خالصا، ومن المال الحلال الذى لا شبهة/فيه فقال له معبر حاذق: هذا الجامع يبقى ويخرب كل ما حوله لأن الله تعالى قال: ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾، فكل شئ يقع عليه جلال الله ﷿ لا يثبت.

ورأى أيضا كأن نارا نزلت من السماء فأخذت الجامع دون ما حوله، فلما قصها قيل له: أبشر بقبول الجامع، فقد كان إحراق النار فى الزمان السابق علامة على قبول القربان.