للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعدمه، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فأخذ بيعتهم وأرسل إليه يستقدمه، فخرج من مكة قاصدا للعراق ولم يعلم ابن عمر بخروجه، فخرج خلفه فأدركه على ميلين من مكة فقال له: ارجع. فأبى، فقال: إنى محدثك حديثا، إن جبريل أتى النبى فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم.

فقال: إن معى حملين من كتب أهل العراق ببيعتهم. فقال: ما تصنع بقوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك!؟ فأبى إلا المضى، فاعتنقه وبكى وقال: استودعتك الله من قتيل. ثم سافر، فكان ابن عمر يقول: غلبنا الحسين بالخروج، ولعمرى لقد كان فى أبيه وأخيه عبرة.

وكلمه فى ذلك أيضا من وجوه الصحابة جابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وأبو واقد، وغيرهم فلم يطع أحدا منهم فقال له ابن عباس : والله إنى لأظنك تقتل بين نسائك وأبنائك وبناتك كما قتل عثمان بن عفان. فلم يقبل، فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير. ثم إن ابن زياد قتل مسلم بن عقيل بأمر يزيد ولم يبلغ الحسين ذلك، حتى صار بينه وبين القادسية ثلاثة أميال ولقيه الحر بن يزيد التيمى فقال له: ارجع، فإنى لم أدع لك خلفى خيرا. وأخبره الخبر. ولفى الفرزدق فقال له: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بنى أمية، والقضاء ينزل من السماء. فهم أن يرجع-وكان معه أخوة مسلم-فقالوا: لا نرجع حتى نصيب بثأره أو نقتل. فساروا، وكان ابن زياد جهز أربعة آلاف، وقيل عشرين ألف مقاتل لملاقاته، فوافوه بكربلاء، فنزل ومعه خمسة وأربعون فارسا ونحو مائة راجل فالتقيا وأرهقه السلاح، وكان أكثر مقاتليه الكاتبين له والمبايعين له، فلما أيقن أنهم قاتلوه قام فى أصحابه خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل من الأمر ما ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها وانشمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء، وإلا خسيس عسيس كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن فى لقاء الله ﷿، وإنى لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا جرما. فقاتلوه حتى قتل يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق ما بين الحلة والكوفة، قتله سنان بن أنس النخعى، وقيل غيره، وقتل معه من أهل البيت ثلاثة وعشرون رجلا كما قيل.

وفى المقريزى أنه لما أدركته الخيل قام خطيبا فقال: يا أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم، إنى لم آتكم حتى أتتنى كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى. وقد جئتكم، فإن تعطونى ما أطمئن إليه من العهود أقدم مصركم وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذى أقبلت منه. فسكتوا،