وهو مترعرع وأسلم، وأبوه السائب كان يوم بدر صاحب رايات بنى هاشم التى كان يقال لها: العقاب وراية الرؤساء ولا يحملها إلا رئيس القوم وكانت لأبى سفيان، فإن لم يكن حاضرا حملها رئيس مثله؛ ولغيبة أبى سفيان فى العير حملها السائب لشرفه وأسر يومئذ وفدى نفسه ثم أسلم بعد ذلك.
ولد ﵁ بغزة سنة خمسين ومائة على الأصح. وقيل: ولد بمنى. وقيل:
بعسقلان. وقيل: باليمن وهى السنة التى مات فيها أبو حنيفة. وقيل: انه ولد يوم مات أبو حنيفة ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بها، ولما سلموه إلى المعلم ما كانوا يجدون أجرة المعلّم فكان المعلم يقصّر فى التعليم لكن كلما علّم صبيا شيئا تلقّف الشافعى ذلك الشئ ثم إذا قام المعلّم أخذ الشافعى يعلم الصبيان تلك الأشيا؛ فنظر المعلم فرأى الشافعى يكفيه أمر الصبيان أكثر من الأجرة فترك طلب الأجرة منه فتعلم الشافعى القرآن لسبع سنين.
قال الشافعى ﵁: لما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا فى مكة فى شعب الخيف وكنت فقيرا بحيث ما أملك أن أشترى القراطيس فكنت آخذ العظم وأكتب فيه. وتفقّه أول أمره على مسلم بن خالد الزنجى مفتى مكة، وأذن له فى الإفتاء والتدريس/وهو ابن خمس عشرة سنة ووصل إليه خبر الإمام مالك ﵁ بالمدينة. قال الشافعى: فوقع فى قلبى أن أذهب إليه فاستعرت الموطأ من رجل بمكة وحفظته، ثم قدمت المدينة فدخلت عليه فقلت: أصلحك الله إنى رجل مطلبى من حالتى وقصتى كذا وكذا؛ فلما سمع كلامى نظر إلىّ ساعة وكان لمالك فراسة؛ فقال لى: ما اسمك؟ فقلت: محمد. فقال: يا محمد اتق الله واجتنب المعاصى فإنه سيكون لك شأن. فقلت: نعم وكرامة. فقال: إن الله تعالى ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية. ثم قال: إذا كان الغد تجئ نقرأ لك الموطأ.
فقلت: إنى أقرأه من الحفظ ورجعت إليه من الغد وابتدأت بالقراءة، وكلما أردت قطع القراءة خوفا من ملاله أعجبه حسن قراءتى فيقول: يا فتى زد حتى قرأته فى أيام يسيرة ثم أقمت (١) فى المدينة إلى أن توفى مالك رحمه الله تعالى. وكان حفظه للموطأ وهو ابن عشر سنين فى تسع ليالى. وقيل: فى ثلاث. ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين واجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها
(١) قوله: ثم أقمت الخ كذا فى إسعاف الراغبين أيضا والمشهور خلافه اه. راجع (هامش ص ٢٦ من الطبعة الأولى).