إلى مذهبه وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة فأقام بها مدة ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر وصنف بها كتبه الجديدة وأقام بها إلى أن توفى.
كان ﵁ إمام الدنيا جمع الله له من العلوم وكثرة الأتباع لا سيما فى الحرمين والأرض المقدسة ما لم يجمع لأحد قبله ولا بعده، وانتشر له من الذكر ما لم ينتشر لأحد سواه؛ ولذا حمل عليه حديث:«عالم قريش يملأ أطباق الأرض علما»(١). قال ابن عبد الحكم: إن أم الشافعى ﵁ لما حملت به رأت كأن كوكب المشترى خرج من بطنها وانقض فوقع منه فى كل مكان شظية؛ فقال لها المعبر: انه يخرج منك عالم عظيم.
وقال الشافعى ﵁:«رأيت النبى ﷺ فى النوم؛ فقال:
ادن منى. فدنوت منه فأخذ من ريقه وفتحت فمى فأمرّ من ريقه على لسانى وفمى وشفتى، وقال: امش بارك الله فيك». وقال:«رأيت النبى ﷺ فى المنام فى زمن الصبا بمكة يؤم الناس فى المسجد الحرام؛ فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يعلمهم فدنوت منه؛ فقلت له: علمنى. فأخرج ميزانا من كمه فأعطانى، وقال: هذا لك».
قال المناوى: فأوّلت بأن مذهبه أعدل المذاهب وأوفقها للسنة التى هى أعدل الملل. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه:«أىّ الرجل كان الشافعى فإنى سمعتك تكثر الدعاء له؟ فقال: يا بنى كان الشافعى ﵁ كالشمس بالنهار وكالعافية للناس فانظر: هل لهذين من خلف أو عنهما عوض»؟.
وقال أحمد بن حنبل ﵁:«ما أعلم أحدا أعظم منّة من الشافعى فى زمن الشافعى»!.
وقال المزنى:«ما رأيت أكرم من الشافعى خرجت معه ليلة عيد من المسجد أذاكره فى مسألة حتى أتيت إلى باب داره فأتاه غلام بكيس؛ فقال: سيدى يقرئك السلام ويقول لك: خذ هذا الكيس فأخذه منه؛ فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ولدت امرأتى الساعة وليس عندى شئ. فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شئ»!.
ونقل ابن حجر وغيره: أنه لم يقع فى مدة حياته طاعون لا بمصر ولا بغيرها، وكان جهورى الصوت جدا فى غاية من الكرم والشجاعة وجودة الرمى وصحة الفراسة وحسن الأخلاق، وكان كلامه حجة فى اللغة كامرئ القيس ولبيد ونحوهما، وكان أعجوبة فى العلم بأنساب العرب وأيامها وأحوالها وهو أول من صنف فى أصول الفقه.