وقد كتب معاوية إلى بعض بنى أمية بالمدينة: أن جزى الله قيسا خيرا قد كف عن إخواننا الذين قاتلوا فى دم عثمان واكتموا ذلك لئلا يعزله على إن بلغه ذلك، فلما بلغ عليا ذلك قال رؤساء حزبه: تحول قيس. فقال على: ويحكم إنه لم يفعل.
فقالوا: لتعزلنه فإنه بدل. فلم يزالوا به حتى كتب إليه: قد احتجت إليك فأقدم.
فلما قرأ الكتاب قال: هذا من مكر معاوية ولولا الكذب لمكرت به مكرا يدخل عليه بيته. ثم ولى على بدله الأشتر بن مالك فلما قدم القلزم شرب شربة عسل فمات فأخبر على بذلك فقال: لليدين وللفم. وقال عمرو بن العاص: إن لله جنودا من العسل. ثم ولى على ﵁ محمد بن أبى بكر ﵁ على مصر، وجمع له صلاتها وخراجها فدخلها فى نصف رمضان سنة سبع وثلاثين فلقيه قيس بن سعد، فقال له:
لا يمنعنى عزله إياى من نصحى لك، ولقد عزلنى عن غير وهن ولا عجز فاحفظ ما أوصيك به يدم صلاح حالك: دع معاوية بن حديج ومسلمة بن مخلد وبسر بن أرطاة ومن ضوى إليهم: لا تكفهم عن رأيهم فإن أتوك فاقبلهم وإن تخلفوا عنك فلا تطلبهم، وألن جناحك لهذا الحى من مضر وقرب عليهم مكانك وارفع عنهم حجابك، وانظر هذا الحى من مدلج فد عهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وأنزل الناس منازلهم فإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذا لا ينقصك إنك والله ما عملت لتظهر الخيلاء وتحب الرياسة والله موفقك.
فعمل محمد بخلاف ما أوصاه به قيس فبعت إلى ابن حديج والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته فلم يجيبوه، فبعث إلى دور الخارجة فهدمها ونهب أموالهم وسجن ذراريهم فنصبوا له الحرب، فلما علم أنه لا قوة له بهم أمسك عنهم ثم صالحهم على أن يسيرهم إلى معاوية وأن ينصب لهم جسرا يجوزون عليه ولا يدخلون الفسطاط ففعلوا ولحقوا بمعاوية، فلما أجمع على ومعاوية ﵄ على الحكمين أغفل على أن يشترط على معاوية ألا يقاتل أهل مصر، فلما انصرف على إلى العراق بعث معاوية عمرو بن العاص ﵄ فى جيوش الشأم إلى مصر فاقتتلوا قتالا شديدا انهزم فيه أهل مصر، ودخل عمرو الفسطاط وتغيب محمد بن أبى بكر فأقبل معاوية بن حديج فى رهط ممن كان يعينه على من كان يمشى فى قتل عثمان ﵁، وطلب محمد بن أبى بكر فدلتهم عليه امرأة، فقال: احفظونى فى أبى بكر، فقال ابن حديج، قتلت ثمانين رجلا من قومى فى عثمان وأتركك وأنت صاحبه!، فقتله ثم جعله فى جيفة حمار وأحرقه بالنار.