للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخبازين وقالوا: أيها الأمير، فى بعض ما جرى كفاية ونحن نخرج الغلة، وندير الطواحين، ونعمّر الأسواق بالخبز، ونرخص الأسعار على الناس، ونبيع الخبز كل رطل بدرهم، فقال: ما يقنع الناس بذلك، فقالوا: الرطلان بدرهم، فأجابهم: بعد اللتيا والتى، ووفّوا بالشروط، وتدارك الله الخلق باللطف، وأجرى النيل، وسكنت الفتن، وزرع الناس، وانكشفت الكروب.

ثم حصل الغلاء، بعد ذلك، أيام الخليفة الآمر بأحكام الله، ولم تطل مدته، فلم تعم بليته، كما حصل بعده فى أيام الخليفة الحافظ لدين الله، بوزيره الأفضل بن وحش، ولكن الحافظ تدارك الأمر بنفسه، إلى أن منّ الله بالرخاء. وجاء بعده الغلاء، فى مدة الفائز، ووزارة الصالح طلائع بن رزيك.

وهكذا كان الغلاء والوباء، شعار أكثر هؤلاء الخلفاء.

فلم يجلس أكثرهم على تخت هذه الديار، إلا وجلس بجانبه بلوى من البلايا، وحصل فى زمنهم خراب أكثر البلاد، وتعطل أكثر الأراضى عن الزرع.

ولم يختلف الحال بزوال ملكهم، بل تبدل فى صورة غير الصورة، ولبس ثوبا غير الثوب.

وحصل فى زمن الأيوبيين مثل ما حصل فى زمن الفاطميين، ولم يلتفت الكثير منهم إلى أحوال الصحة والرفاهية، والسير على نهج السلف فى الحكم والإدارة، وبقيت البلاد عرضة للضرر، الذى كان مستوليا قبل، فكان الظلم والجور وتعدّى الحكام، وغاراتهم، وعدم الزرع، والقحط، والوباء، والأمراض، ومصائب أخر، مما غرسه الطوائف الواردة على الديار المصرية، إلى أيام استيلاء مولانا العزيز، محمد على باشا، على الديار المصرية.

ولم يعمل أحد ممن تقدّم فى هذه الديار أعمالا تستحق الذكر.

وفى رسالة العلامة المقريزى-التى ألفها فى حوادث سنة ٥٩٠ (١) هلالية-أنه حصل فى


(١) الصحيح أنه فى سنة ٥٩٦ هـ. انظر: إغاثة الأمة، ص ٢٩؛ السلوك للمقريزى، ج ١ ق ١، ص ١٥٦ وما بعدها؛ عبد اللطيف البغدادى: كتاب الإفادة والاعتبار، ص ٦٢ وما بعدها.