وفى الزمن القديم كان أهل إسكندرية-جميعا-أهل تجارة كالآن، وبهذا السبب كانت من أسعد مدن القطر. ومما كانت تفتخر به على غيرها: معامل الزجاج، وأبسطتها المزخرفة بأنواع النقش، فكانت تفوق أبسطة بابل الشهيرة.
وكان يوجد من ضمن حاراتها حارة تسمى: بزار-يعنى سوقه-كانت محلا لبيع أمور الزهو والزخرفة. وكان أغلب سكان المدينة أرواما وليس بها من المصريين إلا القليل، ولكن كان يغلب على طبعهم الخفة والهزل، فنشأ عن ذلك نقمتهم وإهانتهم عدة مرات بالحكام الذين تعاقبوا عليها؛ بسبب الأشعار والقصائد التى كانوا يصرّحون فيها بألقاب وأسماء فظيعة لبعض البطالسة وغيرهم. وبعدما كانوا متصفين بالجراءة والقوّة العسكرية، وكانت لهم درجة الفوقان على غيرهم فى فن مصارعة الديوك، وفن الشعر، وإنشاء القصائد والخطب، مالت طباعهم عن هذه الأمور النفيسة إلى الأمور الخسيسة، وذلك من خفتهم وطيشهم وعدم ثباتهم، فكانت سجاياهم تقريبا آخذة من طباع الإفريقيين، والبزانيون يتلوّنون بكآبة المصريين.
ولسان الروم كان هو اللسان المستعمل فى المحاكم والدواوين وغيره، كان لا ينقش على المبانى والآثار والمعاملة، وبقى ذلك إلى زمن (ديوكليتان)، وكذلك جميع الأعياد والرسوم الجارية فى الدواوين وبيوت الملوك والأمراء، كانت منقولة عن الروم.
فبكل هذه الأمور كانت مدينة إسكندرية، كأنها بلد من الروم نقلت إلى مصر، لأن جميع أمورها مأخوذة عن الروم، ولو أن اليهود كانوا كثيرين بها، لأن عددهم كان يبلغ نحو مائة ألف نفس، لكن كان الجزء الغالب الأروام. ولذا كانت طباع اليهود لا تخالط أهلها إلا مع الندوة، وأما الطبع المصرى فكان منحصرا فى مدن وادى النيل وأرضه، ولم يؤثر فى أهل إسكندرية.