للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى زمن حكومة العرب نقصت عن سعتها الأصلية نحو الثلثين، فكانت الحوادث كلما زحزحتها عن موضعها زحزحتها عن سعدها، حتى فارق الناس أرضها؛ لأنها بعد أن كانت زمن (ديودور الصقلى) عامرة بثلثمائة ألف نفس من الأحرار أو ستمائة ألف، على فرض أن عدد غير الأحرار كالأحرار، كما فى مدينة أثينا بناء على ما ذكره (لاثرون الفرنساوى) صار لا يوجد بها غير ستة آلاف نفس، فكانت عصىّ الأدبار تسوقها ولا تفارقها، حتى صار عدد سكانها جزءا من مائة جزء، من أصلها إلى زمن استيلاء العزيز محمد على باشا على الديار المصرية، فعمرت وازدادت، وطلع نجم سعدها حتى بلغ عدد أهلها فى سنة ١٨٣٠: ستين ألفا.

والآن فى زمن الخديو إسماعيل باشا بلغ عدد سكانها مائتين وسبعين ألفا، قدر ما كانت تحتوى عليه زمن جده محمد على باشا خمسين مرة تقريبا.

وبسبب ما جبل عليه من تتبع أسباب العمار، لم تزل سائرة فى طريق السعد والثروة، وكل يوم تراها تتحلى بما يزيد فى فخرها، ويتمكن به أساس ثروتها، وتمتاز به فى زمن الخديوى عن سائر الأزمان السابقة حتى زمن إسكندر؛ لأن أساس سعدها مرتبط بالتجارة، وهى مرتبطة بالمينا، فكلما تحسن أمرها تحسن أمر التجارة وتقدمت المدينة.

وليس فيمن سبق من السلاطين، من ذكر المؤرّخون عنه أنه تصدى لما تصدى له هذا الخديوى، من تنظيم الليمان بالأرصفة حوله وداخله، وجعله مستوفيا لشروط الأمان على السفن، وسهولة شحن البضائع وتفريغها.

ولا شك أن عين التجارة لا تغفل عن الفوائد الناتجة من هذا المشروع العظيم، وترتقى- طبعا-بالتدريج إلى أن تفوق الدرجة التى كانت قد بلغتها فى الأزمان العتيقة.

وخليج السويس لا يمنع من ذلك، بل ربما كان أيضا سببا فى اتساع مدينة الإسكندرية، وزيادتها عن حدودها الأصلية، وامتلائها بالسكان-كما كانت قبل-بانتشار أسباب العمارة داخل الأقطار المصرية.