للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدل على جهل تاريخ الإسكندر، مع أن أمره معلوم من وقت ولادته إلى حين موته، يوما بيوم، وشهرا بشهر، وسنة بسنة وكذلك موته وموضع دفنه وكيفيته.

ومع ذلك، نرى من يتكلم على أخباره يترك المهمّ منها ويذكر خرافات لا أصل لها، ولا بد أن منشأ ذلك شهرة إسكندر وأفعاله الخارقة للعادة، فإنها-إلى الآن-تتكلم بها الأعجام والأعراب والأتراك، ويسمونه بأسماء ما سمى بها، وينسبون إليه أفعالا ما فعلها، وصفات ما اتصف بها، ولو كان/حيا وسمعها لكذبها.

والقادم من الشرق إلى الغرب يمرّ أوّلا بمدينة البطالسة أو الأروام، ثم يكون بمدينة العرب، فعمود السوارى قائم على التل، الذى هو مكان الإسكندرية القديمة، وعليه كان معبد سيرابيس.

وفى الغرب كانت مدينة الأموات، أو المقبرة المسماة سيرابيوم، جريا على عادة المصريين فى الزمن القديم، من جعلهم مقابر الأموات غربى مدينة الأحياء، لاعتقادهم أن محل اجتماع الأرواح المغرب. وفى تكلمهم وكتابتهم كانوا يطلقون على هذا الموضع اسم:

أمانتى.

وفى هذه الجهة الغربية من المدينة شاهد (استرابون) محلات تصبير أجسام الموتى قريب المقابر، فكان ما يصنع بمدينة طيبة نقل إلى إسكندرية؛ فإن المقابر وبيوت التصبير بها كانت بالجهة الغربية منها، كما هى كذلك بالإسكندرية.

وبقى هذا المكان معدا لدفن الموتى من النصارى، بعد زوال الديانة المصرية، وقد بنى فيه (بطرس) بطريق إسكندرية مقبرة ودفن فيها، وإلى الآن تشاهد السياحون غربى البلد آثارها.

ثم إن المدينة زمن الازدياد تزحزحت عن مكانها، حتى صارت على المكان المعروف باللسان، وملئت الأرض-التى كانت خارج البلد القديمة والحادثة-من تراكم الرمال، وتركت مكانها الأصلى. وهذا الانتقال لم يغير صورتها، بل بقيت مستطيلة كما كانت قديما.