إسكندر، فنظرت مدينة أعظم من الأولى-شكلا وصورة ونظاما-، فكنت أرى صفوف الأعمدة والبواكى بالميل، فطربت من هذا المنظر مثل الطرب الأوّل. وكنت كلما وجهت نظرى نحو جهة من الجهات، أرى عجبا يزيدنى طربا، وكلما نقلت قدما زدت فرحا.
وليست همة الحكام والملوك-فى تلك الأزمان قاصرة-على الحسن فقط، بل كانت تنظر إلى النافع والمفيد مع الحسن، ولذا كان ماء النيل يصل المدينة من خليج، ويوزع داخلها فى مجار متفرّقة فى جميع جهاتها.
وأحسن أخطاط المدينة، الذى كان على ساحل المينا الشرقية، وفيه كانت منازل البطالسة وسراياهم، وبقيت كذلك لزمن القياصرة الرومانيين، ودار التحف، والسراية، والكتبخانة العظيمة كانت تشغل بهذه المدينة سعة عظيمة من أرضها.
وقال (بلين): كانت هذه السعة خمس سعة المدينة. وقال (استرابون): ربعها أو ثلثها. ولا غرابة فى ذلك، فإن هذه السعة كانت مملوءة بساتين وعمارات، كعادة السرايات بالبلاد المشرقية.
وقريبا من وسط المدينة، كان قبر إسكندر فإن (بطليموس سوتير) استحوذ على جثته، وأخذها من (بيرديكاس)، وقت أن كان مارّا بها فى طريق مصر على عربة عظيمة، يسحبها أربعة وستون بغلا، فى تابوت من الذهب الإبريز، ثم إن هذا التّابوت أخذ فيما بعد، وعوّض بتابوت من الزجاج، وبعد حين ذهبت جثة إسكندر.
وفى القرن الخامس عشر من الميلاد، كانت أهالى الإسكندرية تفرّج السياحين على قبر إسكندر، لكن من أين لنا إنه القبر الحقيقى؟
ويقال: إن الإدريسى جعل قبر إسكندر فى جزيرة بعيدة فى حدود الغرب، وسط بحر الظلمات. وهذا أيضا أمر مستغرب جدا، لأنه يبعد وصوله إلى هذا المكان، ولا يدرى ما هذه الجزيرة ولا الأسباب التى أوجبت ذلك.