للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يقال إن التمثال المذكور حدث بعد (أفتونيوس)، أو لم يكن موجودا من أصله حتى أنه لم يتعرض له فى كلامه، لأنه ذكر فى عبارة أغلب المؤلفين، فلا بد أنه كان موجودا قبل سياحته، إلا أن يقال إن هذا التمثال أزيل عن العمود مدة سياحته، ولذا لم يذكره فى كلامه.

وهذا التمثال كان للمقدس (أبيس)، وليس تمثال (ديوكليتان) أو تمثال حصانه، بناء على ما ذكره بعض المؤرخين من الإسكندرانيين؛ لما اعترفوا بشفقة القيصر عليهم، جعلوا لحصانه هذا التمثال، بعد أن عثر به حين دخوله من أحد أبواب المدينة، وكان ذلك سببا فى رفع القيصر عنهم النهب والسلب والقتل، بعد أن كان أصدر أمره بذلك عقابا لأهل هذه المدينة، على ارتكابهم العصيان والفساد، فرأى أن ما حصل من الحصان المذكور كأنه أمر إلهى ينهاه عن استمرار القسوة عليهم، ويأمره بالشفقة عليهم.

ويؤكد هذا الاعتقاد ما حققه بعض السلف، من أن (بطليموس فلادلفوس) رفع تمثالا عظيما فوق الكثيب الذى كانت فيه القلعة والبلد القديمة-التى هى رقودة-وكان بها السيرابيوم، وهو من أحسن العمارات وأجملها، وكان يظهر من بعد عظيم، لا يصل إليه الإنسان إلا بعد صعود مائة درجة. وقيصر الروم (كركلا) كان فى أعلى محل منه وقت أن أصدر أمره بالقتل وغيره لأهل الإسكندرية.

وجميع الفتن التى توّلدت من عداوة الديانة العيسوية والديانة العتيقة، كان مركزها هذا المكان، ولهذا يرى أن هذه البقعة استمرت تسقى بدم الخلق أزمانا عديدة، فتارة كانت القوة لحزب أبيس، فيقتل جميع النصارى بغاراته، وتارة كانت لحزب المسيح، فيقتل جميع رجال الآخر، إلى أن كانت الكلمة للعيسوية فى زمن القيصر (طيودوز) (١)، فهجمت النصارى على هذا المكان وهدمته وأزالته بالكلية.

ومع ذلك ففى القرن الخامس من الميلاد، زمن الفتن، كانت أهالى الإسكندرية تحتمى فى بواقيه، وفى زمن صلاح الدين كانت عدة من أعمدة دهاليزه باقية، وكانت من ضمن الآثار العجيبة التى وقرّها الدهر ولم يعتد عليها.


(١) الصحيح «ثيودوسيوس». انظر: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، ج ١، ص ٤٩٩، ج ٢، ص ٥١٣،٥١٠،٢٤٧.