إلا أن جميع ما يلزم لإنشاء المراكب وعمارتها مثل: الحديد والنحاس والخشب، كان يجلب من البلاد الأجنبية، وبسبب أهميتها واحتياج الأمر إليها، كان أربابها يتغالون فى أثمانها جدا، وليتها كانت من الأنواع الجيدة، بل كانت رديئة، فإن الخشب كان يأتى من الكرمانى، وبلاد إيطاليا غير مستوف لشروط الانتفاع به فى مثل هذه الأعمال، ولهذا كانت المراكب التى تصنع منه يسرع إليها التخريب وتحتاج للرمّ فى زمن قريب.
ومع كل ذلك لم تقف همة العزيز عن إنشاء المراكب، وكثيرا ما كان تجار المراكب يثبطونه عن إنشائها ويبدون له ما لا مزيد عليه من الصعوبات وكثرة المصاريف، ويدخلون عليه بكل حيلة ليصرفوه عن هذا العزم، وذلك أنهم كانوا يربحون أرباحا كثيرة من بيعهم المراكب للحكومة المصرية، مع أن المراكب التى كانت تشترى منهم، مع ارتفاع أثمانها جدا، كانت إما قديمة، أو غير جيدة الصنعة، فلم يلتفت إلى تثبيطهم، ولم تقعد همته بل ازدادت رغبته فى تلك الأشغال، ورتب لها مجلسا أناط به جميع لوازم المراكب، وجعل رئيسه موسيو (سيريزى) المذكور وأنشأ مدرسة لتعليم صنعة السفن وما يتعلق بها.
وكان المشتغلون بإنشاء المراكب وتعميرها إذ ذاك، نحو ٨٠٠٠ نفس، من الأهليين الذين تربوا على أيدى المعلمين من الإفرنج وغيرهم، وقد أتقن الصنعة منهم نحو ١٦٠٠ نفس، فاستغنت بذلك الحكومة المصرية عن شراء المراكب من الخارج، وكان المعين لها على هذا العزم موسيو (سيريزى) فكان دائما يبدى له من محاسن تلك الأعمال ونتائجها، ما يحمله على تنجيزها، وإعراضه عن تثبيط المثبطين له عنها، فلذا تعصب الإفرنج على موسيو (سيريزى) وضيقوا عليه ورمقوه بعين العداوة، حتى ألجؤوه إلى الاستعفاء من تلك الوظيفة، فعوفى منها وألحق ببلاده.
وقد بلغ ما أنشئ وعمّر فى مدته وعلى يديه، من السفن الحربية وخلافها، وما تحمله كل سفينة، على ما ذكره كلوت بك فى تاريخه لمصر، ما نبينه لك فنقول: