ذاك، شاكر أفندى الإسلامبولى، إلى أن توفى فقام مقامه المرحوم مظهر باشا إلى أن تم، وكان العزيز، إذ ذاك، مشتغلا بأمور الحرب التى كانت قائمة بينه وبين الدولة، موجها همته نحو العمارات البحرية كإعداد الحصون والقلاع وتقويتها، فأحضر لها سنة ١٨٢٩ ميلادية، من مدينة طولون من مملكة فرنسا، المهندس الحاذق الماهر موسيو (سيريزى) وجعله باشمهندس الترسانة، ورقّاه إلى رتبة البيكوية، وصار يعرف (بسيريزى بيك) ثم وصل إلى درجة لواء، وبامتحانه للمينا وجد عمق الماء بها قدر مترين فقط، ممتدا ذلك فى داخل البحر نحو مائتى متر، وذلك مستوجب لصعوبة الشحن والتفريغ، فظهر له أن الأولى أن يكون محل الترسانة عند العجمى، لعمق الماء هناك، لكن لبعده عن المينا، وتسلط الرياح على تلك الجهة عدل عنها إلى المحل الذى عنده الترسانة الآن، فعمقه حتى تمكنت السفن من الرسوّ هناك بقرب البر.
وقبل حضور المهندس (سيريزى) المذكور، كان الرئيس على إنشاء وعمارة السفن بتلك المينا رجلا من الأهليين، يسمى الحاج عمر، وكان صاحب إدارة ومعرفة طبيعية وإقدام على مثل هذه الأعمال، مع الإصابة، فلما حضر موسيو (سيريزى) اتحد معه وساعده فى جميع أعماله.
وفى ظرف خمس سنين من ابتداء سنة ١٨٢٩ ميلادية، ثم جميع مواضع الترسانة مثل: ورشة الحبالة المعروفة بالتبالة، وورشة الحدادين والقلوع والسوارى، والبصل، والنظارات والمخازن، وفى أثناء هذه الأعمال قد صار جلب كثير من شبان الأهالى من جميع المديريات، لأجل تحصيل الكمية الكافية للقيام بلوازم المراكب، وتعليمهم جميع ما تحتاج إليه السفن على أيدى معلمين من البلاد الخارجية، فاختص كل جماعة بفرع من فروع مصالح المراكب حتى أتقنوها، ونتج من تحت أيديهم فى زمن قليل سفن كثيرة حربية وغيرها مع غاية الإتقان، بحيث تضاهى سفن الجهات الخارجية، فكان الحبالة مثلا يفتلون كفاية المراكب من الحبال المتقنة فى أقرب وقت، وهكذا كل أهل فرع يحتفلون به حتى يتم على أكمل وجه، فاستغنت الحكومة المصرية بذلك بعض استغناء عن جلب السفن من البلاد الأجنبية