وحيث أن لها تأثيرا فى خصوبة تلك الأراضى، وإحياء كثير من أراضى البحيرة، توجهت الهمم الخديوية لإنشائها، وعما قليل يصير الشروع فيها بمشيئة الله تعالى، وتكون من المآثر الخديوية التى يتحلى بها جيد الديار المصرية.
وما تجدد بهمة المرحوم عباس باشا، وإن كان كله نافعا، إلا أن أنفعه وأهمه السكة الحديد، فإن ذلك مما يستوجب تخليد ذكر العائلة المحمدية، لما لها من الفوائد التى لا تحصرها الأقلام، ولا تحيط بها الأوهام.
وغاية ما يدرك الوهم أنها قوة عظيمة بخارية أوجدها الإنسان بفكره ومعارفه، لتبلغه أوج السعادة، وتمكنه من حظوظ وغايات فى عمره القصير كان لا يمكنه إدراكها ولو بلغ من العمر ألوفا من السنين، كيف وهى تقطع مسافة عشرة أيام فى أقل من يوم، مع جرها نحو مائة عربة محملة بالأحمال الثقيلة، والألوف المؤلفة من الآدميين وغيرهم، مع السهولة وعدم حصول أدنى مشقة أو ضرر، ومع قلة الأجرة والمصرف جدا، بخلاف ما كان عليه الإنسان قبلها من عدم تحصيل الأغراض، مع اقتحام ما لا مزيد عليه من المشاق وكثرة المصرف فى عشر معشار أغراضه، فجزاه الله خيرا عن هذه الأقطار، بل وجميع الأقطار المشرقية، لأن منافع هذا الأثر سارية فى جميع الجهات المجاورة لمصر، حتى الصحارى والبرارى الشاسعة، وبه أمن المسافرون من كثير من الآفات التى كانت تعرض لهم برا وبحرا فتذيقهم الآلام، وتطول عليهم الأيام، وربما دمرت أعمالهم، وأتلفتهم وأتلفت أموالهم.
ثم إن هذا الأثر، وإن كان أول ظهوره أيام المرحوم عباس باشا، لأنه هو الذى أنشأه ومدّ الفرع الطوالى من مصر إلى إسكندرية، لكن لا يخفى أنه كان قد حصل من الإنكليز مفاتحة العزيز محمد على باشا فى عمل سكة حديد بهذا الوضع سنة ١٨٣٧ ميلادية، بعد إتمام سكة حديد ليوربول (١) من بلادهم، لكن كان مطلوبهم مدّها من القاهرة إلى السويس فقط، لتسهيل نقل البضائع الهندية المارة بمصر إلى بلاد أوروبا، فأجابهم العزيز لذلك لعلمه