وتقدم فى الكلام على الإسكندرية فى مدة أصل هذه الشجرة المباركة، المرحوم العزيز محمد على باشا. أن الحوض عبارة عن محل فى البحر قريب من البر، يختار لذلك بحيث يكون عميقا أو يعمق بالكرّاكات بحيث يصلح لدخول المراكب الكبيرة فيه، يحاط ببناء متين بأحجار ومؤن جيدة، أو يجعل من حديد، وعادة يجعل طوله يسع أكبر سفينة فى البحر وعرضه بنسبة ذلك، ويجعل له فم من جهة الماء يسد بباب بهيئة مخصوصة، وفيه خوخات تفتح وتقفل على حسب الإرادة، فإذا أريد إدخال سفينة به للعمارة، مثلا، يفتح الباب فيدخل الماء ويمتلئ الحوض إلى حد استواء الماء فتدخل السفينة من غير مشقة، ثم يسدّ الباب وينزح الماء منه بواسطة وابور يحرك طلونبات تأخذ الماء من الحوض من مجار مجعولة لذلك فى جدرانه، وعادة تتم هذه العملية بعد ساعات، بحسب كبر الحوض وصغره، حتى تقف السفينة على مراكز من أخشاب مجعولة فيه تسمى: اسقرين قائمة فوق الأرض وتكون فى هذه الحالة مستندة على أخشاب أخر تسمى: المناطيل، تحفظها من الميل، وتستمر واقفة كذلك مدة عمارتها، طالت أو قصرت، وبعد فراغ العمارة تفتح خوخات الباب فيدخل الماء حتى يملأ الحوض فترتفع السفينة مع الماء، ولا يكون لها مانع من الخروج من الحوض سوى فتح الباب.
ومزية الحوض الحديد على حوض البناء، أنه ينتقل من موضعه إلى أى موضع أريد من المينات، وأعماله أسهل من أعمال حوض البناء بكثير، فلذلك حصل بوجوده فى تلك المينا دخول سفن كثيرة من سفن البلاد الأجنبية لعمارتها فيه، فترتب على ذلك، فضلا عن الإيراد المتحصل بسببه لجهة الحكومة استمرار دخول السفن الأجنبية بالمتاجر إلى ذلك الثغر، وتمكنت الحكومة بهذا الأمر الجليل من المداومة على صيانة سفنها الحربية والتجارية من الخلل، وصار بالمينا حوضان، فحصلت السهولة أكثر مما كان، وعم النفع المراكب الأهلية أيضا، وقبل ذلك كانت المراكب الميرية ربما شغلت الحوض مدة طويلة فتتعطل مراكب الأهالى.