مما بقى من أعمال الأمم الماضية والقرون الخالية، لم يكن الغرض من ذكرها إلا كونها من عجائب الدنيا.
ومعلوم أن الكتابة الطيرية المعروفة بالهيروجليفية، لم تنكشف حقيقتها إلا فى هذا القرن، فقد وقف الإفرنج على حقائقها من الكتابات الباقية على جدران الآثار المصرية والمبانى الفرعونية، وأخذوا مجدّين اليوم فى توسيع دائرة علمها، فالتزمت أن أطالع ما كتب بخصوص تلك الآثار، وألخص ما فيه الفائدة، من غير إطالة ولا إكثار.
ووضعت فى كل بلدة من البلدان المذكورة فى هذا الكتاب تراجم من أحاط به الاطلاع ممن نشأ منها، أو استوطنها، أو أقام بها، أو دفن فيها، أو له مناسبة بها من أعلام العلماء والأمراء، ومشاهير الرجال، مع بيان ما لهم من الآثار والأخبار والمصنفات والمرويات بحسب الاستطاعة.
وأتيت على ذكر ما عثرت عليه، أو نقل إلىّ علمه مما اختص بالبلدة، أو برعت فيه، أو عرفت به من صناعة أو غيرها، مضافا إلى ما بها من الآثار العتيقة والمبانى الشهيرة.
وابتدأت الكتاب بهذا المجلد، فجعلته مقدمة له، لخصت فيه الكلام على محل القاهرة قبل قدوم جوهر القائد، وعلى ما حصل لها من الأحوال والتغييرات بتقلب الأزمان وتداول الدول من عهد الدولة الفاطمية، وعلى بقية ملوك القاهرة إلى الآن على الإجمال.
وجعلت للبلدان والقرى مجلدات مخصوصة على ترتيب حروف المعجم تسهيلا على الطالب، ثم شرحت مقياس النيل السعيد فى مجلد وحيد، وبسطت الكلام عليه، وأضفت المتجددات إليه، وأتيت فيه بالحوادث والكائنات من أول الزمان متتابعة، يتلو بعضها بعضا إلى وقتنا هذا، وقصدت أتم الروايات فنقلتها عمن يعلم صدقهم فيما نقلوه وصحة ما دونوه، وإنه بذلك لجدير، كيف لا وهو الإشارة الناطقة، والدلالة الواضحة على نمو الزراعة فى كل سنة؟ وبحثت على درجات ارتفاعه وانخفاضه من الكتب العربية والإفرنجية، ووضعت لذلك جدولا لطيفا شاملا لارتفاعه وحوادثه، وما صار بسببه إلى بلادنا. وطبعته مع الكتاب لوقوف أهل ديارنا على حقيقة نيلهم الذى هو منبع سعادتهم إن اعتنوه، ومورد شقاوتهم إن أهملوه.
وأفردت الترع والخلجان بمجلد بينت فيه أحوالها، وما كانت عليه قبل الآن، أو هى عليه الآن.
وجعلت أيضا لمدينة الإسكندرية جزءا مشتملا بوجه وجيز على بعض حوادثها، وما كانت عليه فى الأزمان المتقدمة.