ولم أتكلم على الفسطاط لاندثارها وخرابها، ومن أراد الوقوف على ما كان بها فليراجع خطط المقريزى، فقد أتى فيها بما يشفى ويكفى.
ولما كانت مدينة القاهرة هى الغرض الأصلى المقصود بالذات من هذا الموضوع، لأنها أم البلاد المصرية، وتخت الحكومة الخديوية، ومنبع العلم والصنعة والتجارة، جعلت مبانيها الشهيرة - كالمساجد والمدارس ونحوها - مرتبة على ترتيب حروف الهجاء فى مجلدات على حدتها، حتى أن من أراد الاطلاع على مسجد أو مدرسة مثلا، يسهل له الوقوف على ما أراد بعد معرفة اسمه. ولم أقتصر فى ذلك على شرح الحالة الراهنة، بل أخذت ما وجدته فى الخطط وغيرها من صفة الحال السالفة، رغبة فى جمع ما تشتت من أحوالها، لوقوف الطالب على جميع صفاتها قديما وحديثا.
ووضعت أيضا لشوارعها مجلدين على ترتيب الحروف، وتكلمت على ملحقات كل شارع من دروب وحارات وعطف وأزقة، مع ما فيها من المساجد والمدارس والأضرحة والأسبلة والحمامات والوكائل ونحو ذلك، سابقا ولاحقا، حتى صار هذان المجلدان عبارة عن خطط القاهرة فى زماننا هذا، فجاء ما فيهما كافيا وافيا فى الدلالة على هذه المدينة ومشتملاتها.
ولتتم الفائدة من هذا الكتاب أفردت مجلدا قررت فيه القول على أصناف النقدية التى كان جاريا بها التعامل فى مصرنا بكل عصر من الأزمان الخالية، وشرحت تاريخها، وأصل وضعها، وأسباب حدوثها، ومن أحدثها وقوّمها، حتى صار فى إمكان الطالب أن يقارن بين أسعار الأشياء فى الأوقات المتفاوتة، فإنه متى قيل كان صنف كذا يباع بكذا من الدنانير مثلا، وحصلت مقارنة بين هذه القيمة لهذا الصنف فى سنة كذا وبين قيمته الآن بمعاملتنا، يعلم أن هذا الصنف كان أعلى قيمة مما هو عليه الآن أو أقل فى كل زمن وقع فيه الاعتبار.
فكمل كتابنا هذا بحمد الله فى عشرين مجلدا لطيفا على أسلوب رقيق، ووضع أنيق، يسرّ سامعه، ويروق مطالعه. والله الكريم أسأل من فضله وكرمه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كل طالب بقلب سليم، وأن يوفق من اطلع. عليه إلى إصلاح ما عسى أن يكون فيه من الخطأ والنسيان، ويزيد عليه ما عجزت عن الإتيان به، وأن يكافئنا وإياه بما كافأ به عباده الصالحين، الذين قصروا أعمالهم مدة حياتهم على طلب مرضاته. إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.