من أعظم المبانى الفخيمة، التى لم يبن مثلها، ويحتاج لوصف ما اشتملت عليه كلتاهما من المحلات والزينة والزخرفة والمفروشات، وما فى بساتينهما من الأشجار والأزهار والرياحين والأنهار والبرك والقناطر والجبلايات إلى مجلد كبير، ولكن يكفى فى هذا الملخص أن نقول إن أرض سراية الجزيرة ستون فدانا، وتحتوى على سراية للحريم، وأخرى برسم سلاملك كبير، خلاف سلاملك صغير فى غربى السلاملك الكبير.
والسلاملكان من رسم فرانس باشا النمساوى، اجتهد فى تشبيههما بالمبانى العربية القديمة فى شكلهما وزينتهما ومفروشاتهما، وجعل فى خارج السلاملك الكبير برسم الزينة بلكونات وبواكى من الحديد جلبت من البلاد الإفرنجية، وأحاط البستان بسور، وجعل فيه محلات للحيوانات المتنوعة، كالفيلة والسباع والنمور والقردة والنسانيس ونحوها، وأنواع الطيور المجلوبة من بقاع الأرض، وفرش مماشيه بالرمل والزلط، ووزع فيه فوانيس الغاز، فكان من أبدع ما يرى خصوصا فى الليل بعد أن توقد فوانيسه.
وما صرف على هذه السراية من النقود كثير، لكنه بالنسبة لما صرف على سراية الجيزة قليل. وفى الأصل كانت سراية الجيزة قصرا صغيرا وحماما بناهما المرحوم سعيد باشا، وبعد موته اشتراهما الخديو اسماعيل باشا وما يتبعهما من الأرض وهو نحو ثلاثين فدانا من ابنه المرحوم طوسون باشا، وهدمهما، وبناهما وفرشهما.
وبعد قليل أخذ فى توسيع السراية من جهة البحر، وزاد فى المبانى، وأحضر من الآستانة أحد القلفاوات المعروفين، فعمل له رسومات اقتضت المحو والإثبات فيما تم، وأحضر من الآستانة أيضا أسطاوات، فنظموا بستانها، وفرشوا مماشيه وطرقه بالزلط الملون المجلوب من جزيرة رودس على رسوم أشكال مختلفة، وجعلوا فيه جبلايات، وبركا متسعة، وأنهرا غدرانا عليها قناطر وكشكات للجلوس، وأقفاصا واسعة للطيور، وأوصل له مياه النيل المرفوعة بوابور مخصوص، ووزع فيه فوانيس الغاز.
ثم عنّ له أن يعمل سلاملكا يبنيه جميعه من الحجر النحيت، وكلّف برسم ذلك وعمله مهندسين وعمالا من الإفرنج، ووسع البستان الأصلى، ونقض ما عمل فى المماشى من الزلط والرخام، وأعاده ثانيا، وأنشأ بستانا ثالثا عرف بالأرمان جلبت أشجاره من جزائر الروم بعد ما ردمت أرضه بطمى النيل إلى قريب من مترين، وكذا ردم الأرض المجاورة لهذه السراية وسراية الجزيرة إلى ارتفاع مترين. وبلغ ما ردم فى الجهتين نحو ثلثمائة فدان بمعرفة مقاولين من الإفرنج، اشترط معهم على أن تكاليف المتر المكعب افرنك ونصف خلاف السكك الحديدية التى جعلت لهذه العملية فكانت على الحكومة.