للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر المقريزى أن بعدها عن خط الاستواء اثنتان وعشرون درجة ونصف فالشمس تسامت رؤوس أهلها مرتين فى السنة عند كونها فى آخر الجوزاء أو فى أول السرطان، وفى هذين الوقتين لا يكون للقائم بأسوان نصف النهار ظل أصلا فالحرارة واليبس والإحراق غالبة على مزاجها، لأن الشمس تنشف رطوباتها، ولذلك صارت ألوان أهلها سودا وشعورهم جعدة لاحتراق أرضهم، ولم يكن أشهر من هذه المدينة بين الجغرافيين فى الأزمان القديمة، بسبب أن أراتستين وهيبارك واسترابون وبطليموس جعلوها مبدأ عينوا بالنسبة له جميع نقط الكرة الأرضية، وكان اعتقاد الأقدمين أنه لا توجد مدينة غيرها واقعة على دائرة الانقلاب الفاصلة بين المنطقة الحارة والمنطقة المعتدلة، وقد وجد فى أيامنا هذه قريبا من هذا الخط فى آسيا بلدتان: شاندير ناجور، وكاتون، وبلدة هوان التى هى من جزائر اللاّنتى فى قطعة أمريقا، وقد اتضح الآن من الحسابات الصحيحة أن هذه المدينة ليست على دائرة الانقلاب بل بعيدة عنها إلى جهة الجنوب بقدر خمسة عشر فرسخا ونصف.

ومع هذا ففى يوم المنقلب الصيفى وقت الزوال يكون الظل غير محسوس فى هذه المدينة بحيث أنه لو فرض أن شاخصا ارتفاعه عشرون مترا لا يكون ظله إلا خمسة سنتميترات، ولكن إذا رصد الظل فى بئر المدينة القديمة لا يرى غير نصفه فى الظل، ونسب بعض العلماء إنشاء بئر أسوان وتقدير محيط كرة الأرض بمائتين وخمسين ألف استاده (١) إلى أراتستين، ولكنه لم يثبت أنه ذهب إلى هذه المدينة، ولو ذهب إليها لرأى أن مركز الشمس يوم المنقلب الصيفى يبعد عن المدينة بقدر ربع درجة، وأن البئر لا تكون فى موضعها بل على بعد ستة فراسخ منه.


(١) ستاديا، Stadia مفردها ٦١٠ - Stadion قدم أو ١٨٥،٩ متر. انظر: تاريخ مصر فى عصر البطالمة، ج ٢، ص ٢٨٤،٢٨١.