وأمر بإنشاء هذه المدينة لتكون تذكرة لذلك الشاب على ممر الدهور، وتمم بناءها فى أربع سنين، وأمر بجمع الرومانيين المتفرقين فى جهات القطر وأسكنهم فيها، مع من جلبه إليها من بلاد الروم كعادة القياصرة من قبله، وزينها بالمعابد الفاخرة، والمبانى الرفيعة، وقسم طولها وعرضها إلى حارات وأزقة متسعة مستقيمة مزينة فى جوانبها بأعمدة وتماثيل وهياكل، فصارت من أحسن ما أنشئ فى تلك الأحقاب وجعل لأنتنويه معبدا رتب له الكهنة وما يلزم له وجعله من المعابد المقدسة.
وممن تكلم فيه من الشعراء جوانيال فإنه هجاه مع محبوبه بقصيدة بالغ فيها فى ذمّهما فنفاه إلى أسوان فمات بقنا فى طريقه، وذكر كثير من المؤلفين فى سبب بناء هذه المدينة، أن هذا القيصر كان مولعا بالمبانى حتى إنه بنى كثيرا من المدن فى آسيا وبلاد الغال والإنجليز وغيرها، ومن ضمن ذلك مدينة سميت باسمه وشحنها بالعمارات الفاخرة، ولما كان غالب مدن الأقاليم القبلية فى وقته متخربا ومدينة الإسكندرية بعيدة، رغب فى بناء مدينة تكون مركزا للتجارة والسّياسة والأمور المهمة فى وسط الأقاليم القبلية فبنى هذه المدينة لهذا الغرض، فلعل ذلك مع الرغبة فى الافتخار هو السبب الحقيقى فى بناء هذه المدينة التى استقلت بأمور الأقاليم القبلية زمنا مديدا، وكان كل قيصر يزيد فى زخرفتها حتى أن القيصر سوير أضاف إلى معابدها بعض معابد فى سنة ٢٠٢ ميلادية، فبقيت متباهية بالعز الذى لا يشاركها فيه غيرها من مدن الجهات القبلية إلى أن دخلت الديانة العيسوية أرض مصر فالتحقت بمدينة طيبة.
وذكر أوزيب أنه فى آخر القرن الثالث كان لأهل هذه المدينة علائق مع كثير من القسيسين بمدينة القدس، وفى القرن الرابع كثرت بها الكنائس والديور النصرانية.